تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك من شواهد جواز وقوع الاشتراك اللفظي في مادة واحدة بتباين متعلقاتها، ولو كان السياق واحدا، فيصح حملها على أكثر من معنى، بل يصح حملها على ضدين.

فهو خير الحاكمين جل وعلا: فذلك من وصفه المقيد، وهو: (أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)، فذلك بيان لوجه الخيرية في آية الأعراف، فيفسر بعض التنزيل بعضا، وذلك مئنة من دقة سبكه وجودة لفظه، فالمعاني والمباني قد بلغت الغاية في الإتقان، وذلك دليل آخر على حفظ التنزيل، بحفظ الرب الجليل، فلا يختلف في فروع، فكيف بأصول الإيمان التي تختلف فيها طوائف من ملة واحدة، فيضيع الحق بينها بخلاف الحق المحفوظ في كتاب الأمة الخاتمة، وإن أحدث المحدثون من المقالات ما أحدثوا، فالكتاب العزيز شاهد بنقضها وإن استدل بعضهم بآي منه لإحكامها!.

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا: فقالوا على سبيل التهديد الذي أكد بقسم دلت عليه لام الجواب ونون التوكيد المثقلة في: (لَنُخْرِجَنَّكَ)، فالتهديد بالنفي، وهو في زماننا قد زيد في معناه فصار يشمل السجن لآماد طويلة وأحقاب مديدة قد تستنفد في أحيان كثيرة عمر السجين المنفي في غياهب السجون، ذلك التهديد مسلك مطرد لأهل الباطل في منع الحق من الظهور، فمجرد ظهوره وانتشاره يؤذن بزوال دولة الباطل، فالحق يلامس مكامن الفطرة السوية في نفوس المخاطبين: عقيدة ففطرة التوحيد مركوزة في كل نفس، وشريعة فشرائع الأنبياء أكمل الشرائع وأعدلها، فتقبله النفوس وإن لم تقو على تحمل تبعاته في كل وقت، فهو ثقيل مريء لا تنتفع بمادته إلا النفوس الشريفة، وقد هدد به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فإما الخروج وإما الرجوع إلى ظلمات الكفر، كحال من يتوعده أهل الباطل في زماننا بالقتل والخطف والسحر ..... إلخ، بزعم المناصحة والإرشاد!، فيرغب تارة ويرهب تارات، ولا يلزم من دخول شعيب عليه السلام مع المؤمنين في خطاب الرجوع أنه كان على الشرك ابتداء، فذلك مما تنزه عنه الأنبياء عليهم السلام، فالخطاب بالنظر إلى المجموع فدخل فيه تغليبا وإن لم يكن من أهله حقيقة.

قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ: ففي السياق حذف يزيد معنى الإنكار في الاستفهام، فيقدر محذوف من قبيل: أبلغ الظلم بكم مبلغه فرغبتم في قهرنا على العودة في ملتكم ولو كنا كارهين، فالإكراه وسيلة اهل الباطل في كل زمان، وإن ادعوا السماحة وحرية الاعتقاد، فذلك وهم تعيشه الدول المدنية المزعومة، التي تطأ قوانينها بنفسها إذا عارضت مصلحة لكبير أو عرقلت مخططا للتخريب الذي يُؤْثِرُ فيه أصحاب النفوذ مصالحهم الخاصة، ولو جائرة، على مصالح العامة ولو عادلة، فيقهر فيه المستضعفون وتنتهك أبسط حقوقهم في الاعتقاد والحياة الآمنة، فذلك مما نزل بأمة الإسلام لما كسر سيف الشريعة المانع من الظلم والاستبداد، فطمع أعداء الملة فيها، فحق ضعيف لا سيف له، حق منتهك الحرمات، لا يقيم له عدوه وزنا ولا يخشى منه بأسا، فلا تقوم الديانة إلا بكتاب هاد وحديد ناصر.

والإكراه مئنة الإفلاس، فلا يملك المكره إلا قهر بدن من يكرهه فيتعدى عليه بالضرب والقطع بل والإتلاف، ولكنه لا يقدر على قهر القلب المطمئن بالإيمان.

ثم أطنب شعيب عليه السلام في الاستنكار:

قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا: فعقد العزم على الثبات، ولم يكل الأمر إلى عزمه أو قوته، بل لو شاء الله لفتن من آمن، لدخيلة نفس، فلا يظلم الرب، جل وعلا، أحدا، وذلك من جنس قول الخليل أبي الأنبياء وإمام الموحدين عليه السلام: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فنسب النبوة بينهما جامع، ومقالة الوحي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير