تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واحدة لا اضطراب فيها ولا تناقض، فاسأل: (مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ)، و: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، و: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، فاطراد المقالة مع اختلاف أعصار وأمصار قائليها، مئنة من اتصال السند إلى الوحي، ومن المحال، نقلا وعقلا، أن يجتمع أولئك جميعا على مقالة واحدة، فيبشر السابق باللاحق، ويصدق اللاحق السابق، مع ما بينهم من حاجز الزمان والمكان، فمن المحال أن يقع ذلك وهم في حقيقة أمرهم كذبة متواطئون على مقالة سوء!، فذلك لا يكون من آحاد البشر في دعوى أرضية، فكيف بدعوى دينية يزعم صاحبها أنه مرسل من رب البرية، جل وعلا، فأمارات الصدق والكذب في هذه الحال أظهر من أن تخفى على من له مسكة عقل، وقراءة تاريخ النبوات من مصادر موثوقة، يزيد تلك المسلمة العقلية الضرورية رسوخا في نفس القارئ، فاطراد السنة الكونية في نصرتهم على عدوهم باستئصال عام أو خاص، وظهورهم عليهم بالحجة والبرهان فذلك ظهور دائم، وبالسيف والسنان، فذلك ظهور قد ينقطع والعاقبة للمتقين، وما يجري عليهم من سنن الابتلاء فالتمكين، واتباع الضعفاء لهم دون الشرفاء، وزيادة أتباعهم فلا ينقصون، وهي حال الدين الخاتم إلى يومنا هذا، وإن كان بلا سيف يذب عنه، فالرب، جل وعلا، يحفظه وإن قعد أهله عن حفظه، فيستبدل قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم فيقع الفتح على أيديهم، فكل أولئك مئنة من صدقهم ضرورة عقلية ملجئة، علم بها أهل النظر كهرقل صدق النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي سفيان، رضي الله عنه، بعد صلح الحديبية، فاطردت مقالة الأنبياء في التنزيل، فقال الخليل عليه السلام: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، وقال شعيب عليه السلام: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، وتوجه الخطاب إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)، ولو كان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتمها وأضرابها من عتاب، ربه، جل وعلا، له، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، فـ: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، وحاشاه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتقول على ربه، جل وعلا، بزيادة أو نقص في الوحي: كتابا أو سنة.

واستعان شعيب بالرب، جل وعلا، وتلك حال المؤمنين الصادقين وإن كانوا مستضعفين، فلسان حالهم الثبات حتى الممات، وإن كانت أعمارهم في الحق أياما معدودة، فيرى الناظر من حالهم عجبا فلا يقدر كثير من ورثة الحق على محاكاتهم، وللرب، جل وعلا، آيات في خلقه، فالقلوب بيده، فإذا أراد بعبد خيرا وهداية فلا راد لفضله، وإذا أراد بعبد شرا وضلالة فلا كاشف له إلا هو، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فـ: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا: فذلك من دعاء الثناء بقصر عبادة التوكل على الرب، جل وعلا، فقدم ما حقه التأخير، فأفاد ذلك ذلك بمنطوقه ومفهومه، كما تقدم في دلالة القصر البلاغية، فعلى الله توكلنا فذلك منطوق، فلا نتوكل على غيره، فذلك مفهوم، ثم جاء دعاء المسألة في مقام المفاصلة: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ: فذلك من الفتح الكوني بين المؤمنين المصدقين،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير