تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والكفار المكذبين، فيفتح الرب، جل وعلا، بينهم بالحق، فذلك قيد يحترز به من التعدي في الدعاء، فلا يكون الفتح فتحا إلا إن كان بالحق، ثم ذيل باسم آخر من أسماء الرب، جل وعلا، المقيدة، فهو خير الفاتحين بقدره الكوني النافذ، وهو خير الحاكمين بين المتخاصمين، كما تقدم في موضع سابق، فـ: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، ولسان مقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، ويوم القيامة: (يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)، فما ضاع من حقوق المستضعفين في هذه الدار، ولو كفارا، فلا بد من استيفائه في دار الجزاء، فـ: (نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، فكيف إن كانوا مؤمنين قد فتنوا وظلموا: (بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، فإن تأخر الفتح فإنه آت لا محالة، وإن تأخر الحكم فذلك من قدر الرب، جل وعلا،، فاقتضت حكمته التأجيل، فلا يعجل لعجلة أحد.

وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ: فذلك، أيضا، من جملة التهديد فليس ثم إلا الإيعاد بالخسران، وإن ألبسه صاحبه ثوب المناصحة!، فهو ترهيب في صورة ترغيب سرعان ما ينكشف وجهه القبيح فيصير ترهيبا صريحا لمن تمسك بالحق وثبت عليه، فيستنفد الباطل حيله، فلا جديد عنده في باب الصد عن سبيل الله، وجاء التهديد، أيضا، مؤكدا بقسم محذوف، وجواب صدر بالناسخ المؤكد: "إن"، و "إذاً"، فضلا عن اللام المزحلقة إلى خبر الناسخ: "لخاسرون"، فذلك تهديد قد بلغ الغاية، فجاء العذاب عقيبه، فإذا بلغ الظلم غايته فقد اقتربت نهايته: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ: فعقيب التهديد أخذهم الرب، جل وعلا، بعذاب الاستئصال، فـ: (كَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، فذلك من دلالة عنايته الخاصة، جل وعلا، بالأنبياء وأتباعهم فيستأصل عدوهم بالعذاب، وإمعانا في النكاية ببيان سوء العاقبة: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ: فذلك توكيد في مقابل توكيدهم، وهو مشفوع بالدليل العملي فليس تهديدا بالقول كتهديدهم، وذلك فرقان آخر بين الرب، جل وعلا، وعباده، فهو القدير على إنفاذ وعيده بكلماته الكونية، وعباده ليس لهم من الضر والنفع شيء، وإن حصل لهم نوع تمكين وسلطان عارض، يسومون فيه أهل الحق سوء العذاب، باسم الدياتة تارة وباسم السياسة أخرى، فلكل حظه من الجور والطغيان، ولسان مقال الكليم عليه السلام لمن استضعف من قومه: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ: فتلك وظيفة الرسل عليهم السلام، فحصل البلاغ بأفصح مبنى وأبلغ معنى، وحصل النصح بأصدق إرادة، فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ: فأبطل بالاستفهام الإنكاري الأسف على من كفر بالرسالة فليس أهلا لذلك، بل قد صار بجحوده وإنكاره، وإصراره على كفره، بل وفتنته للمؤمنين في أديانهم وأبدانهم، قد صار بكل ذلك أهلا للمجالدة بالسيف في دار الابتلاء، وذوق عذاب الخلد في دار الجزاء، وإنما هي أيام وتنقضي الدنيا، وتنقضي قبلها الشدة، فهي بتراء، لا دوام لها، فلا يبقى إلا أجرها لمن امتن الرب، جل وعلا، عليه برسوخ الديانة وثبات القلب، وإن أتلف البدن والعقل في ذات الرب جل وعلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 04:13 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير