تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى في آخر السورة: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ: فذلك من خطاب التكليف مواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومتابعة لأمته من بعده، فغيره، مهما بلغت مكانته، دونه في المنزلة عند الرب، جل وعلا، فإن أكرم الخلق على ربه نبيه الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو خير البرية، فإذا ثبت انتفاء ملك الضر والنفع على جهة الاستقلال بالتأثير ولو للنفس، فكيف بالغير؟!، إذا ثبت انتفاء ذلك عن خير الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانتفاؤه عن غيره من الأئمة والشيوخ والرهبان .... إلخ، ثابت من باب أولى، فقياس الأولى الصريح قاض بذلك، فكيف إن كان من يعتقد فيه الناس النفع والضر إمام ضلالة أو شيخ سوء أو عابد صليب يرتدي مسوح الرهبان، وهو قد بارز الرب، جل وعلا، بالسب والقدح؟!.

فأفاد النص بإشارته إلى ذلك المعنى، في معرض تقرير انفراد الرب، جل وعلا، بالملك والتدبير بالمشيئة النافذة، فله التدبير العام المطلق، فكل الأسباب تؤثر بما أودع فيها من القوى، ولكنها لا تستقل بإحداث الأثر حتى يشاء الرب، جل وعلا، ذلك، فالأسباب لا تؤثر بذاتها، فليس غناها ذاتيا، فتستقل بالتأثير، وإنما تؤثر بقوى فيها لا تعمل إلا بثبوت جملة من الأسباب وانتفاء جملة من الموانع، وكلها ترجع في النهاية إلى سبب واحد رئيس، غناه ذاتي فلا يفتقر إلى سبب آخر، فكلمات الرب، جل وعلا، الكونية النافذة، التي هي أثر صفاته الفاعلة المؤثرة في الكون إيجادا، فتلك من دلالة الإيجاد من العدم فهو الخالق، البارئ، المصور، أحسن الخالقين، بديع السماوات والأرض ..... إلخ من أسمائه جل وعلا المطلقة والمقيدة التي تدل على انفراده، جل وعلا، بمقام ربوبية الإيجاد، وتدبيرا فهو الحكيم، فتلك من دلالة العناية العامة بالبشر، فأجرى الرزق الكوني، على المؤمن والكافر: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وأرسل الرسل عليهم السلام بالرزق الشرعي العام، فهداية البيان مبذولة لكل أحد، فـ: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، والدلائل البينات على جنس النبوات العام: نقلية كانت أو عقلية، محسوسة كانت كآثار الأنبياء وما وقع بأقوامهم من الخسف والهدم أو معقولة، فلم تزل آثار رسالاتهم العلمية باقية في الأرض، بل لا صلاح لهذا العالم، كما تقدم، إلا ببقاء آثار النبوات، ولو دارسة، فتلك الدلائل العامة على جنس النبوات، ثم قد أقام، جل وعلا، على النبوة الخاتمة بعينها من دلائل النقل والعقل في الكتب الأولى والكتاب الآخر ما لم يقم على بقية النبوات ففيها زبدة الرسالات السابقة، والعناية الخاصة بالمؤمنين منهم فهداية التوفيق لا تكون إلا لهم، فذلك من فضل الله، عز وجل، على من اصطفاه الرب، جل وعلا، فيسر له السير على منهاج النبوة تصديقا وامتثالا، فمعلومهم الخبري وتكليفهم الإنشائي بالأمر والنهي، كل أولئك جار على سنن الرسالة، معدن صلاح الفرد والجماعة، فلا يملك صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنفسه نفعا ولا ضرا، نكرة في سياق نفي مكرر، فأفاد العموم المؤكد، فضلا عن العموم بتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، فلا يملك صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنفسه منطوقا، ولغيره مفهوما من باب أولى، لا يملك لنفسه أي نفع أو ضر، فلا يملك إلا هداية البيان، فـ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فليس له من أمر التكوين شيء، وإنما عليه بلاغ أمر التشريع، وأكد ذلك بشرط أفاد بمنطوقه أيضا: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ: فأطنب بالمقابلة بين الخير استكثارا والسوء استدفاعا، فذلك أبلغ في تقرير المعنى، فلو كنت أعلم الغيب الكوني لاستكثرت من جنس الخير فـ: "أل" فيه جنسية، وما مسني جنس السوء، فـ: "أل" فيه، أيضا، جنسية، ولكني لا أعلم من ذلك شيئا، فقد مسني من السوء ما قد علمتم، فذلك محذوف مقدر تكتمل به القسمة العقلية، فلو كنت أعلم الغيب ما مسني السوء فذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير