تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منطوق، ولكني لا أعلم منه إلا ما علمني جل وعلا من الغيوب القادمة آية على صدق الرسالة فهي من دلائل النبوة فلا تعلق لها بما يناله في نفسه من القدر الكوني النافذ من حياة أو موت، ونصر أو هزيمة، وجوع أو شبع ........ إلخ، فذلك مفهوم، وسيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير شاهد على ذلك فقد ناله بقدر الرب، جل وعلا، الكوني من أذى قومه ما ناله، فآذاه سفهاء مكة والطائف، وتوصل إليه يهود بسحر لبيد، فسحروا جسده الشريف دون عقله لمقام عصمة التبليغ، وتوصلوا إليه بالسم في شاة زينب بنت الحارث، فكتب له الرب، جل وعلا، بها شهادة، فـ: "ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَري من ذلك السم"، ولا يرد على ذلك أن الرسل، عليهم السلام، لا تقتل، فهم محفوظون بعناية الرب، جل وعلا، الكونية الخاصة، فهي من أبرز صور العناية الخاصة فـ: (اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، و: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، و: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)، و: (مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، فذلك صحيح قبل إكمال الدين، فلو قتل الرسول الناسخ برسالته رسالات من تقدمه، لو قتل ما حصل البلاغ الذي تحصل به الحجة الرسالية، وأما قتله شهادة بعد إكمال الدين، فتلك كرامة أخرى، تزيده قربا من ربه، جل وعلا، فهو ميت لا محالة، فـ: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، فلتكن الميتة إذن: أشرف ميتة، فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق الناس بمقام الشهادة فـ: "والذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو في سَبِيل اللهِ، فَأُقْتَل ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل"، فكانت الصورة: مصيبة بالقتل، وكانت الحقيقة: كرامة عظيمة هي من صور العناية الخاصة به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجمع له الرب، جل وعلا، مقام الشهادة إلى مقام النبوة الخاتمة فأي عناية وأي كرامة أعظم من ذلك؟!.

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: فذلك من القصر الإضافي مبالغة وإمعانا في التوكيد، فيجري مجرى الاحتراز من توهم اختصاصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء من وظائف الربوبية تأثيرا بنفع أو ضر، فليس له إلا وظيفة البلاغ: بشارة ونذارة، ترغيبا بآثار وصف جمال الرب، جل وعلا، وترهيبا بآثار وصف جلال الرب، جل وعلا، فهو، بداهة، ليس بالنذير فحسب، بل هو عبد مكلف، وزوج، وأب ....... إلخ من مناصبه الشريفة التي بلغ فيها جميعا حد الإعجاز، فسيرته فيها من أبرز دلائل نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن الاحتراز في مقام بيان انفراد الرب، جل وعلا، بمقام الربوبية، فهو مجري الأسباب الكونية بكلماته النافذة وجنده الملائكي المغيب الذي يعمل بأمره وما أودع فيها من قوى النفع والضر، ومنزل الأسباب الشرعية من كلمات الوحي الحاكمة، فليس ذلك إلا له، جل وعلا، فلا ينازعه فيه ملك مقرب أو نبي مرسل، فـ: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)، و: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، فالاحتراز في هذا المقام يحسن معه المبالغة بالقصر الإضافي نفيا لما قد يتوهمه البعض من نوع تصرف كوني للرسول البشري صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك من الغلو فيه بادعاء تصريفه للأمر الكوني وإنزاله للوحي الشرعي فيد تناول جبريل في السماء وأخرى تأخذ منه في الأرض! كما يزعم بعض مخرفي الطرقية، وعلمه متى تقوم الساعة، وخلقه من نور الرب، جل وعلا، وتلك شعبة من قول النصارى في الغلو في المسيح عليه السلام بادعاء تجسد الرب، جل وعلا، في ناسوته، أو تجسد صفته أو أقنوم من أقانيمه هو أقنوم الكلمة أو العلم في ناسوته، فيكون الوصف الرباني قد امتزج بالناسوت البشري، كما يدعي من زعم امتزاج النور الرباني بجسد النبي العربي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل ذلك مما يلزم منه نعت الرب، جل وعلا، بالنقص الذي تنزه عنه، فاختلاط

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير