تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكامل بذاته أو صفاته بالناقص، فلا تنفك الجبلة البشرية عن نقص ذاتي فيها، فذلك مما يظهر به كمال الخالق، جل وعلا، بإمعان النظر في وجوه النقص العديدة في المخلوق الحادث، ذلك الاختلاط من المحال الذاتي وفيه من الجفاء في حق الرب، جل وعلا، في مقابل الغلو في حق العبد ما فيه، وهو مما قد نهى عنه صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله"، واختصاص النذارة والبشارة بالمؤمنين لا يعني انتفاءها عن غيرهم، فهداية البيان، كما تقدم، مبذولة لكل أحد، فيكون اختصاص المؤمنين بالذكر لكونهم أول من أجاب، فتحققت فيهم هداية البيان وهداية التوفيق معا، فذلك من باب التنويه بفرد من أفراد العام الذي توجه خطاب البلاغ إلى كل أفراده، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، والتنويه بفرد من أفراده لا يخصصه، فالبلاغ عام لكل أحد، والإيمان خاص بمن اصطفاه الرب، جل وعلا، من المؤمنين.

ثم جاء التصريح بدلالة الإيجاد المثبتة للرب، جل وعلا، وحده، وما فيها من صور العناية بالنوع الإنساني بخلق الأزواج، فإليها تسكن الأنفس، فـ:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ: فذلك من القصر بتعريف الجزأين، وهو قصر حقيقي، فلا خالق إلا الرب، جل وعلا، فذلك وجه استحقاقه الإفراد بمنصب الألوهية عقيدة علمية وشعيرة عملية وشريعة حكمية تحكم الشأن العام بين أفراد الجماعة الواحدة، والشأن الدولي بين الجماعة المسلمة وبقية الجماعات في أزمنة السلم والحرب، فاستخرج من آدم عليه السلام ذريته في عالم الذر، ثم في عالم الشهادة، فخلقكم من نفس واحدة، فابتداء غاية خلق البشر من صلب أبيهم آدم عليه السلام، فـ: "من" لابتداء الغاية، ولا تخلو بداهة من معنى البيان الجنسي، فالبشر كلهم جنس واحد، وإن تباينت أنواعهم إلى ذكور وإناث، صغار وكبار، أصحاء ومرضى ..... إلخ من الأضداد التي يظهر بخلقها كمال معاني الربوبية قدرة على خلق الأشياء وحكمة في تدبير أمرها بكلمات كونية، فبها يكون فلان صحيحا، وفلان مريضا، فلكل تكليفه الشرعي الذي يلائم حاله، فـ: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، فظهر في هذا التفاوت حكمة الرب، جل وعلا، البالغة، فلم يسو بين المتباينين، بل أعطى كلا حكمه، فالتفريق بين المتباينين والتسوية بين المتماثلين من أظهر صور الحكمة التي يمدح بها آحاد الحكماء من البشر، فمدح الرب، جل وعلا، بها واجب من باب أولى، فهو خالق الكمال حكمة وقدرة في خلقه، فلا يكون إلا حكيما قديرا بداهة، فخلقكم: فالخطاب للحاضر الموجود ابتداء، وهو يعم الغائب سواء في زمن الرسالة فكل من بلغه الخبر في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالخطاب متوجه إليه، أو بعده، فذلك مما يستأنس به في مسألة خطاب المعدوم، فالخطاب موجه لكل تال لهذه الآية: مؤمنا كان أو كافرا، فهو من دلائل ربوبية الإيجاد المعجز، والإتقان المحكم في خلق هذه الصنعة على هذا النحو الدقيق المبهر، من نفس واحدة، ومعنى التبعيض، أيضا، مما قد يرد على هذا السياق، فبعض آدم عليه السلام، في كل منا، ولو قل، وإمعانا في تقرير دلالة الإيجاد والعناية بآدم عليه السلام على جهة الخصوص: (جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، فالخطاب يتعلق به أصالة، ودلالة الإيجاد والعناية بكل ذكر خرج من صلبه، فزوجه نعمة كونية سابغة عليه، وهو نعمة سابغة عليها، أو هكذا يفترض!، فذلك الأصل في علائق المودة والرحمة بين الزوجين، فقدر خلق آدم عليه السلام في الأزل، ثم خلقه بيده، ثم نفخ فيه من روحه، فخلق الروح الآدمي وأضافه إلى نفسه تشريفا، فابتداء غاية خلقه من الرب، جل وعلا، وابتداء غاية نفخه في الجسد الطيني الأجوف منه، جل وعلا، فسرت مادة الحياة النوارنية في مادة الطين الأرضية، فكان آدم عليه السلام، فـ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فبكلمة كونية سرت الروح في البدن، وأشار صاحب "التحرير والتنوير"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير