تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رحمه الله، إلى وجهين في لسان العرب في إضافة الفعل إلى ضمير المخاطبين، فيحتمل:

الكل المجموعي، بالنظر إلى أبي البشر آدم عليه السلام.

والكل الجميعي، بالنظر إلى كل أب بعينه، فمنه خلق ابنه، فكان نطفة في صلبه، ثم علقة في رحم أمه، فجنينا فطفلا ..... إلخ من أطوار الخلق.

فبكلمة كونية أخرى: جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا: فالخلق مئنة من التقدير الأول، كما تقدم، فهو أصل، والجعل مئنة من التصيير، فجعل شيئا من شيء، فهو فرع، فذلك جار مجرى قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)، فالجعل فرع طارئ عن خلق الأجرام التي ينشأ الليل والنهار من حركتها، كما أشار إلى ذلك الزمخشري، غفر الله له، في كشافه، و: "من" هنا، أيضا، مئن من المعاني الثلاثة: ابتداء الغاية، والبيان الجنسي، والتبعيض، فخلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام، فخلقها منه: لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا: فالسكون مئنة من الأنس والطمأنينة، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وتلك توطئة إلى صورة من صور الملاطفة، وهي الغشيان، فلا يتصور إلا كذلك، وإلا كان من جنس إتيان البهائم!، فتلك، عند التأمل، علائق رفيعة بين أصلين، فإن لم يحصل التلاؤم بين عنصري الروح أصالة، لم يحصل بين عنصري الجسد تبعا، فاللقاء المحسوس تأويل لقاء أرواح يسكن بعضها إلى بعض، فيجد كلٌ من صفو المحبة، وهي المودة، فهي قدر زائد على المحبة، فليست إلا أشرف أنواعها، يجد كلٌ منهما ما يحمله على التواصل الذي سنه الرب، جل وعلا، لقضاء الأوطار، فهو معدن العفة، وإنجاب الأولاد، فهو معدن القوة، بالتناسل طلبا للولد الصالح، فـ: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ"، فيحصل الأجر بالنية، وتحصل اللذة بالوقاع، وتلك غنيمة عظيمة لا يزهد فيها إلا جاهل بالشرع المنزل فلا يحسن ينوي، أو غليظ الطبع فلا يحسن يتودد إلى زوجه، والغباء الزوجي المتبادل الذي صار سمة عامة في هذا الزمان سبب رئيس في تهدم بنيان أسر كثيرة لا سيما الوليدة التي لم يدرك فيها الطرفان: معنى الزوجية وما تتضمنه من معاني المسئولية والتضحية ..... إلخ، فكل قد نشأ على استنظاف حقه فلا يعنيه إلا ذلك، فلا أحد يحسن التبعل لقرينه، فليس ثم إلا الجفاء وسوء العشرة إلا من رحم الرب، جل وعلا، ممن بقي فيهم بقية آدمية طبعية، وبقية ديانة شرعية، فلن يقع السكون إلا بذلك، فلا بد من ديانة شرعية بها تكون العصمة، ومودة طبعية بها تكون الألفة، وإن لم توجد الثانية فلا غنى عن الأولى فهي أمان من الظلم، فمن كره زوجه طبعا فلن يظلمها شرعا إن كان ذا ديانة، فهي معه في خير حال، فإما فضل إن كان ثم محبة، وإما عدل إن كان ثم بغض.

فخلقها ليسكن إليها الزوج، فتلك علة خلق حواء عليها السلام، وبناتها من بعدها، وهو معنى كلي عام، أفردت إحدى صوره الجزئية الخاصة بالذكر، وهي صورة الغشيان فهي، كما تقدم، من أبرز صور السكن: مودة بالروح ووصالا بالجسد، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا: والتغشي مئنة من التفعل، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ففيه إشارة إلى تقصد الفعل، وذلك لا يكون، كما تقدم، إلا مع كمال المودة بين الزوجين، فلما تغشاها، وتلك كناية لطيفة عما يستحى من ذكره صراحة، فالغشيان مئنة من الستر، وهو أمر يعم المعقول فالزوج ستر لزوجه يصون كرامتها ويحفظ سرها، والمحسوس، فصورة الغشيان مظنة الستر إلا عند بعض البهائم!، فبعض العجماوات تتستر حال الوقاع وبعض المسوخ البشرية لا تفعل ذلك!، وهي في نفسها ستر، فيقال فلانة تحت فلان، فهو يعلوها ويسترها بجسده، فحصل بهذه الكناية اللطيفة تقرير لمعان زوجية رفيعة، فلما تغشاها: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ: فذلك، أيضا، من دلائل ربوبية الإيجاد، فقد علق الولد باستيلاد الزوج زوجَه، فإذا باشر السبب المؤثر بما أودع الرب، جل وعلا، فيه من قوى التأثير، فالتقت النطفتان: مشيجا مختلطا في رحم الأم، حصل الحمل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير