تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، فلن ينتج السبب أثره إلا بالإذن الكوني، فهو السبب الأول لكل ما يليه من الأسباب المخلوقة، مغيبة كانت أو مشهودة، كما تقدم، فكل الأسباب له خاضعة، ومنه صادرة، فلا حركة في هذا الكون إيجادا أو إعداما، إلا بقدر أول أزلي يقع تأويله في عالم الشهادة بأمر كوني، فيأتي التأويل المشهود مصدقا للمعلوم المقدور، وهو، أيضا، مئنة من ربوبية الحكمة بتعليق الحمل على سببه، ونمو في أطوار دقيقة تدل على حكمة من قدرها، فلا تختلط الأجنة، بل لكل وصفه، مع اتفاقها في أصل المادة، فمادة الخلق ماء مهين تحمله أصلاب الذكور أو الفحول، ومع ذلك تتباين الأجنة في النوع، فلكل نوع جنينه، وفي الجنس، فذكور وإناث، وفي سائر الصفات الجسدية والنفسانية، فلا يوجد جنينان متماثلان من كل وجه ولو كانا توأمين، فلا بد من قدر فارق، وإن دق، فحصل بوحدة المادة في أصلها، فـ: (جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ): دلالة قاطعة على وحدانية الخالق في ذاته وأحديته في صفاته التي يخلق بها: إيجادا وتقديرا، واختلاف الأجنة مئنة من ربوبيته فالتنويع في الكائنات بخلق الأجناس المتباينة، والتنويع في الجنس الواحد بخلق الضد، فالرب هو خالق الأضداد، على نحو يقع به صلاح العالم فلا فساد، فـ: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، ذلك التنويع مئنة من قدرته وحكمته، فيخلق ما شاء لحكم جليلة لا تدركها عقول كثيرة، فخلق النافع والضار، وجعل لكل سننه التي يحصل بها كمال التدبير، فمآل كل أفعاله: الخير، فالشر ليس إليه، وإن قدر وقوعه كونا، فهو معدن خير آجل، وإن لم تدركه العقول حال الفاجعة بنازلة كونية تزلزل قلوب البشر إلا من شاء الرب، جل وعلا، تثبيته وتصبيره، فيسر له سبب ذلك من إيمان واحتساب وذكر بحمد واسترجاع،، فلما أثقلت والخطاب ليس لآدم وحواء بداهة، فالأنبياء، عليهم السلام، وآدم أولهم، معصومون من الشرك، فلما أثقلت دعوا الله ربهما، فدعوا، فتلك عبادة يناسبها الاسم الدال على معنى الألوهية، والدعاء من وجه آخر طلب عطية كونية يناسبه وصف الربوبية: "ربهما"، وجاء الدعاء مؤكدا بقسم محذوف، ولام صدر بها الجواب ونون توكيد مثقلة، ومع ذلك: لَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ: فوقع الشرك في المولود، مع انفراد الرب، جل وعلا، بتقديره وتكوينه في الرحم ثم إخراجه إلى العالم، فقياس العقل الصريح ألا يشرك به، جل وعلا، شيء، لكمال انفراده بمقام الربوبية، تقديرا وإيجادا، ولذلك جاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ: فجاء العموم بـ: "ما" فتعم العاقل وغير العاقل في هذا السياق، فمن المعبودات ما هو عاقل من ملك أو نبي أو إمام أو ولي، فيقع الشرك بالغلو فيهم، كما تقدم من حال النصارى في المسيح عليه السلام، ومن سار على طريقتهم الردية في تعظيم خارج عن الطريقة الشرعية، فتعظيم من عظمه الشرع من صالحي البشر باب، وعبادتهم من دون الله، عز وجل، باب آخر، فتعظيمهم التعظيم اللائق بهم: من الشريعة، والغلو فيهم: نقض للشريعة، ولو ارتكب باسم الشريعة، فالعبرة بالمعاني لا بالمباني، فتسمية الشرك توسلا لن تخرجه عن حقيقته، ومنها ما هو غير عاقل، كسائر المنحوتات والحيوانات والنباتات ..... إلخ، فلكل عابدوه الذين ضلوا عن الإله الحق فوقعوا لزوما في عبودية آلهة الباطل، فالنفس مجبولة على التأله ضرورة، فإما أن تهتدي إلى الإله الحق، فيحصل لها بذلك الكمال العلمي والعملي، وإما أن تضل في أودية الباطل، فيفسد تصورها العلمي وما يتفرع عنه من فعل القلب: إرادة، وفعل الظاهر عبادة، فتعبد غيره، جل وعلا، لا محالة، وذيل بالعلة العقلية على بطلان تلك الآلهة، فـ: لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ: فالنكرة في سياق النفي مئنة من العموم، فلا يخلقون أي شيء، فذلك وصفها في غيرها، فحصل بالنفي بيان عجزها عن الإيجاد، وَهُمْ يُخْلَقُونَ: فالجمع بالنظر إلى "من" بخلاف الإفراد في: (لَا يَخْلُقُ شَيْئًا) فهو بالنظر إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير