تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 12:55 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ):

فذلك من دلالة العناية الخاصة بالكليم عليه السلام، فاصطفاه الرب، جل وعلا، على الناس، فالاصطفاء مرادف الاختيار، على القول بوقوع الترادف في لسان العرب، وإن ظهر في الاصطفاء معنى النصح والخلوص فقد استخلصه الرب، جل وعلا، لنفسه فـ: (اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)، فالاصطناع أبلغ من الصنع، فالافتعال مظنة العناية بالفعل، والزيادة في المبنى زيادة في المعنى كما اطرد في كلام الصرفيين والبلاغيين، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى في اصطفاء بني إسرائيل فهم المختارون في زمانهم قبل أن تنزع منهم النبوة لترد على بني إسماعيل عليه السلام فـ: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ)، فذلك من الاصطفاء الشرعي الخاص لبعض بني الإنسان بالرسالة: وصفا فالرسالة أعظم منصب بشري أو: تبعا فأتباع الأنبياء عليهم السلام خلاصة أممهم فهم أعلم الناس بالرسالة مبان ومعان فليس من شاهد كمن سمع، فيقابله الاصطفاء الكوني العام لجملة النوع الإنساني، فاصطفى الرب، جل وعلا، الكليم، عليه السلام، على الناس في زمانه، فدلالة العموم في "أل" الجنسية مخصوصة بالناس الكائنين زمن رسالته، فليس اصطفاء على عامة الناس، فذلك مقام النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المصطفى على الناس مطلقا بالرسالة الخاتمة الناسخة لما قبلها من الرسالات، الجامعة لزبدة علومها وأعمالها، فأخبارها أصدق الأخبار، وأحكامها أعدل الأحكام، فيكون اصطفاء موسى عليه السلام من جنس اصطفاء قومه على أهل زمانهم كما تقدم في قوله تعالى: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ): فالعموم هنا، أيضا، مخصوص، بعالمي زمانهم، فيصح إطلاق العهد على: "أل" فيهما فالمراد معهود ذهني بعينه هو الناس أو العالمون في زمن رسالة موسى عليه السلام أو في زمن اصطفاء بني إسرائيل على بقية الأمم، وعطف الكلمات الشرعيات على الرسالات: (بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي)، من عطف البيان، فبيان الرسالات: الكلمات الشرعيات التي نزل بها الروح الأمين على قلوب النبيين عليهم السلام، أو هو من عطف خاص على عام، بالنظر إلى المفهوم الأعم من الرسالة، فالرسالة: علوم وأعمال، فأعمال الرسل عليهم السلام، وحي من جهة المنشأ، فلا يصدرون في أمور الديانة إلا عن وحي، بخلاف أمور العادة والأمور المصلحية التي يحكم فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باجتهاده، كأمور الحرب والسياسة، فتلك يبرز فيها الجانب البشري، فتجوز فيها المراجعة، كما راجع الحباب بن المنذر، رضي الله عنه، في أمر المقام في بدر، فأشار عليه بأن ينزل الجيش أمام الماء ليمنع المسلمون كفار قريش من وروده فيحولوا بينهم وبينه، فذلك أمر مصلحي أرسله الشارع، جل وعلا، فجازت فيه المراجعة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قد عدل عليه الصلاة والسلام عن قوله وأخذ بقول الحباب رضي الله عنه.

فالرسالة: علوم هي الكلمات، وأعمال هي تأويل تلك الكلمات، فأفردت الكلمات بالذكر، فذلك وجه تخصيصها بالذكر بعد عموم الرسالة الجامعة لجملة من الأخبار العلمية والأحكام العملية، فيكون في الإطناب بالخصوص بعد العموم: زيادة في تقرير المنة الربانية بالرسالة الموسوية.

ثم جاء التذييل بالأمر الشرعي فهو من شكر هذه النعمة الربانية السابغة، فلا أعظم من نعمة الاصطفاء بالنبوة: فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ: أخذ القبول والرضا تصديقا وامتثالا فذلك أخذ المؤمنين فكيف بالنبيين؟!.

وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ: على تلك النعمة، فشكر النعمة ليس كلاما فحسب، بل لا بد من أخذ الوحي بقوة، فتلك سنة الأنبياء، فـ: (يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).

وقوله: وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ: أبلغ من القول في غير التنزيل: وكن شاكرا، فـ: كن من الشاكرين: مظنة العراقة والرسوخ في هذه العبادة فهي تعم القلب واللسان والأركان، فالشكر يكون بها جميعا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير