تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 02:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ):

فذلك جار أيضا مجرى العناية الخاصة بالكليم عليه السلام، فكتب له، تبارك وتعالى، في الألواح، جملة من الأحكام الشرعية التي تستقيم بها أمور البرية، والكتابة مظنة الجمع، فاجتمعت حروف الكلمات الشرعية، واجتمعت الكلمات في الألواح والصحف آيات فمنها الأخبار فأخبار النبوة أصح الأخبار، ومنها الأحكام فأحكام النبوات أعدل الأحكام، ولما كانت المنة عظيمة جسيمة والنعمة خطيرة جليلة، حسن الإتيان بالفعل، فهو من أوصاف أفعال الرب جل وعلا، حسن الإتيان به مضافا إلى ضمير الفاعلين، فعظمة الفاعل مئنة من عظم الفعل، ولا أعظم من الرب، جل وعلا، بذاته القدسية، وصفاته العلية، ذاتية كانت أو فعلية، فكتبنا له في الألواح، فـ: "أل": عهدية تشير إلى ألواح بعينها هي الألواح التي امتن الرب، جل وعلا، على الكليم عليه السلام بكتابة الشريعة التوراتية على صفحاتها، فتلك من العناية الخاصة بالكليم عليه السلام، كما تقدم، وهي أيضا، من صور العناية العامة بالأمم التي بعث فيها الرسل عليهم السلام فما من رسول إلا وله شريعة تحفظ الدين وتصلح الدنيا، ولكل أمة ما يلائمها من الأحكام، فأمة التوراة: أمة ذليلة متكبرة في نفس الوقت، وتلك من المفارقات العجيبة، فهي أمة قد استمرأت الذل في قصور فرعون فصار فيها ملكة راسخة، فلا يصلحها اللين، فالشدة تشد من عودها الذي لان وانثنى تحت وطأة فرعون، ولذلك، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين في تحليل دقيق لتشريع الجهاد وهو مادة العزة المفقودة في زماننا، لذلك كانت الحكمة الربانية في تشريع هذا الفرض الجليل القدر العظيم الشأن، كانت الحكمة في التدرج: من تحريم تحصل به الدربة على تحمل الأذى فلا يسارع العربي الذي لا يصبر على الضيم، لا يسارع إلى الانتصار لنفسه من خصمه، وتستبقى به نواة الإسلام الأولى لئلا تتسلط عليها قريش بالاستئصال العام في حال وقوع مواجهة مفتوحة برسم عدم التكافؤ في العدد والعدة، ثم شرع الجهاد إذنا، فبدأ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو محل الشاهد، بدأ في تحريك سرايا صغيرة تزيل الرهبة من النفوس وتزيل ما قد يكون عالقا ببعض النفوس من نوع ذلة، فلم تسل السيوف من سنين، وعدم سلها مظنة نسيانها!، مع الفارق في التشبيه بين أتباع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فوصفهم في التنزيل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، وأتباع موسى الكليم عليه السلام فلسان مقالهم: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ)، ووصف الكليم، عليه السلام، لهم وهو أخبر الناس بحالهم الدنية: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، فلا يمكن شرعا أو عقلا، أن يكلف من لم يقاتل زمانا طويلا بقتال كقتال بدر، فهو الفرقان الذي سبقه مراحل إعدادية للنفوس في سرايا حقيقية لا تدريبات وهمية!، هي إلى ألعاب السيرك أقرب، فإذا جاء الخوف هزم الجمع وولى الدبر، كما في نكساتنا الشهيرة في الأعصار الأخيرة وما أكثرها مع أن من وقعت في عهده الزاهر!، كان أكثر الناس تشدقا بمباني العزة وليس له من معانيها حظ، وليس لمن صدقه منها حظ، فإنا: "قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، فلا عزة إلا في الديانة لا سيما إن كان أصحابها هم أصحاب الرسالة الخاتمة، معدن السيادة فـ: "يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا: لَا إلَهَ إلَا اللّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ وَتَذِلّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ فَإِذَا آمَنْتُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنّةِ"، فمن ابتغى العزة في دين مبدل أو مذهب ملفق، فليس له إلا الذل والانتكاس، ولا تكون عزة إلا بقتال تراق فيه الدماء، فتلك سنة كونية عامة تسري على كل أمم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير