تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولسان مقال أبي الطيب فهو الخبير الناصح لمن رام الشرف:

إذا غامرت في شرف مروم ******* فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير ******* كطعم الموت في أمر عظيم

وأما شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي شريعة الكمال، ففيها الجمال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وفيها الجلال فلسان مقال صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري".

فجمعت بين جلال الموسوية وجمال العيسوية، وتنوعت أحكامها بين العزائم والرخص، فذلك مئنة من سعتها فأحكامها تلائم كل عصر ومصر، ففيها أحكام الاختيار، وأحكام الاضطرار، وأحكام ارجال، وأحكام النساء فـ: (لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)، وأحكام التكليف وأحكام الوضع ...... إلخ، وهي الشريعة المحفوظة فنقلها صحيح، وهي الشريعة المعقولة، فقياسها صريح، وهي الشريعة التي توافق صريح العقل فلا يجد المكلف عسرا في قبولها، فأخبارها صدق، وأحكامها عدل، فليس فيها أسرار يستحى من ذكرها، وليس فيها ما ينقض قياس العقل، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، فدعت إلى التفكر في الرسالة، وفي حال صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، و: (مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)، فكل مقالة تناقض الرسالة لا بد أن يكون فيها عوار يستره صاحبه، فيتكلف التأويلات البعيدة، وربما الباردة!، ليستر سوأته، فصار الدين أسرارا لا يعرفها إلا رءوس الملة أو النحلة، فذلك ذريعة إلى الطغيان الروحي والفكري، فلا خلاص إلا بإسلام العقل: تقليدا لقس أو مرجع أو شيخ، وتلك خطة الخسف التي سامها السادة للأتباع، فلسان مقال الرسول: (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ)، ولسان مقالهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ). وصار تأويلا يتجشمه صاحبه لعله يسكت صريخ الفطرة التوحيدية في صدره، فقد بدلت الديانة ونقض الميثاق فخرجت الروح عن حد الاعتدال، فلا تزال تئن، فلا تشفى بشهوة أو شبهة، فلا يشفيها إلا الرجوع إلى قواعد الملة الأولى التي بعث بها الرسل عليهم السلام فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).

والشاهد أن الرب، جل وعلا، قد امتن على الكليم عليه السلام بكتابة الشريعة في الألواح، فكتبنا له: مِن كُلّ شَىْء: فذلك عموم أريد به خصوص الشريعة، فكتب له كل شيء يتعلق بأمور الديانة أخبارا وأحكاما، فالعموم في هذا الموضع مما يزيد المنة تقريرا، فكأن كل شيء قد كتب فيها، فلا أعظم من أمر الديانة، فهي كل شيء، عند التدبر والنظر، إذ بها تنال دار الكرامة، ففيها كل شيء، فأجناس وأوصاف وأقدار النعيم قد بلغت فيها الغاية، فكتب له من كل شيء: موعظة: فذلك بدل حصل به البيان لإجمال المبدل منه، فيجري ذلك مجرى التقييد بالبدل، وهو نوع إطناب، بذكر المبدل منه مجملا شحذا لذهن السامع فالمجمل مظنة الغرابة، لازدحام المعاني فيه، فعموم: "كل" يحتمل أمور الدين والدنيا، والمراد هنا أصالة: أمور الديانة، وإن أريدت أمور الدنيا فبالتبع إذ بالدين تساس وتنتظم، فلا صلاح للدنيا، كما تقدم مرارا، إلا برسم الديانة، فالشريعة قد استوعبت أمور المعاش والمعاد، فلا سعادة في الأولى ولا نجاة في الآخرة إلا بتأويل أحكامها في عالم الشهادة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير