تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَأْمُرْ قَوْمَكَ: فذلك من قبيل "أفعل" التفضيل التي نزعت دلالتها، فكل شرائع السماء حسنة، كما نقل ذلك البغوي والألوسي عن قطرب، رحم الله الجميع، وحمله بعض أهل العلم على تفاوت الأحوال، فلكل حال حكم يلائمها يصير هو الأحسن في هذا الموضع بعينه، وإن لم يكن الأحسن مطلقا، كما في الأحكام المنسوخة، فالمنسوخ قبل نسخه هو الأحسن لملاءمته حال المكلفين، فلما تغيرت الحال، اقتضت الحكمة تغير الحكم، فصار الناسخ هو الأحسن لملاءمته الحال الجديدة، فالحكم دائر مع علته وجودا وعدما، والأحكام المنسوءة، فهي محكمة لم تنسخ، وإنما تتعدد صورها بتعدد الأحوال، كما في أحكام القتال تحريما فإذنا فأمرا بالدفع فانتهاء بالطلب، فليس زمان الضعف والانحسار كزمان القوة والانتشار، فلكل زمان حكمه الذي يصير فيه الأحسن، بل قد يصير واجبا وغيره محرما، فيكون الأخذ عزيمة لا خيرة فيها، لا سيما مع تضاؤل المصالح التي تحصل بالرخصة، فالرخصة تحصل بها السعة ولا يحصل بها انتقاص الدين بزعم الحفاظ عليه بدرء المفسدة!، وقال بعض أهل العلم كما نقل البغوي رحمه الله: وقيل: بأحسنها بأحسن الأمرين في كل شيء كالعفو أحسن من القصاص، والصبر أحسن من الانتصار، فكل مشروع ولكن المشروع درجات، فمنه الواجب ومنه المندوب ..... إلخ، بل من الواجب المفروض ما هو آكد في الأخذ لقرينة الحال، فتزاحم الواجبات مظنة الترجيح، ولا يقوى على ذلك إلا آحاد المسددين برسم التوفيق الرباني بعلم تدرك به الأولويات، فذلك علم النبوات، كما ذكر ذلك بعض المحققين، فلا تقدم شرائع الفقه الأصغر على شرائع الفقه الأكبر، فكيف يروم عاقل إحكام الفروع ولما يحكم الأصول، وقد يكون المأخوذ خلاف الأولى، كما في واقعة أسرى بدر، فيأتي الوحي بالبيان، فلا يقر صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم على خلاف الأولى، وتلك مفاضلة بين اجتهادين، فكيف صحت المفاضلة بين واجب عام في نازلة عامة كإغاثة مستضعف أو محاصر، ونافلة من قول أو فعل مشروع يزهد صاحبه بلسان حاله الناس في الشريعة فهو بتقديمه المفضول على الفاضل قد صرف القلوب والجوارح عن واجب الوقت، فمثله مثل أهل الطريق لما دهم الفرنسيون أرض مصر، فاشتغلوا بقراءة صحيح البخاري، وهو أمر مشروع، ولكن الرب، جل وعلا، لم يضعه سببا لمدافعة العدو، فقد شرع القتال دفعا للغزاة، فلا يندفعون بداهة بقراءة الصحاح والمسانيد، فقراءتها تكون في حلقات الدرس لا في ميادين الدفع.

ثم جاء التذييل:

سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ:

فذلك جار على ما تقرر في التنزيل من قياس الطرد والعكس، فمن سار على منهاج الفاسقين، فدورهم شاهدة على عاقبة أمرهم: (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)، فله ما لهم من عذاب الأولى والآخرة، ومن سار على منهاج المتقين، فله، أيضا، ما لهم في الأولى والآخرة، فعاقبة أمرهم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ). و: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، ولو بعد حين، فذلك مما تطمئن به قلوب المستضعفين من أهل الديانة، فقد ظلموا وخذلوا فلم ينتصر لهم أهل الأرض، فرب السماء، جل وعلا، ناصر لهم ولو بعد حين من الابتلاء، ومنتصر ممن ظلمهم وخذلهم ولو بعد حين من الاستدراج، فتلك سنن: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)، و: (أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، فللمستضعف سنته، وللمتجبر سنته، وكلٌ نافذ بمشيئة الرب القدير الحكيم جل وعلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 10 - 2010, 12:23 ص]ـ

ومن سورة القصص:

ومن قصص الكليم عليه السلام:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير