تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ):

فلما قضى الأجل في مدين، والقضاء هنا مئنة من التمام، فأتم الأجل، بل أتم الأجل الأقصى فمكث عشر سنين في مدين، وذلك الأليق بالأنبياء عليهم السلام، فهم أوفى الناس عهودا وأكمل الناس أخلاقا، وذلك عند التدبر والنظر من أظهر أدلة العناية الربانية بصفوة الخلق، فعلى عين الله، جل وعلا، قد صنعوا، حفظا لنفوسهم من الإتلاف، وحفظا لأخلاقهم من الرذائل ولو مباحات تخرم المروءات الكاملة فنزهوا عن صغائر الخسة ورذائل العادات من أكل في الطرقات ونحوه ونزهوا عن الحرف الدنية كالحجامة، وقد خص الكليم عليه السلام بالذكر في هذا الشأن فامتن الرب، جل وعلا، عليه كما في سورة طه: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فتلك عين الرعاية الربانية وإثباتها لا ينفي صفة الذات القدسية: صفة العين التي يقوم بها فعل الإبصار، وهو أيضا، من أوصاف الذات القدسية بالنظر إلى نوعه فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، ومن أوصاف الأفعال الإلهية بالنظر إلى آحاده، ومنه، أيضا، البصر بالمحسوسات، فالرب، جل وعلا، قد أحاط بكل المحسوسات بصرا، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من ذوات وأفعال العباد، فمنه نظر الإحاطة، ومنه نظر العناية فـ: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، فهو منقسم المعنى بانفكاك الجهة فيكون في حقهم من جنس معية النصرة الخاصة فهو سماع وبصر الوعد بالعناية ويكون في حق فرعون من جنس المعية العلمية العامة: معية الإحصاء فهو سماع وبصر الوعيد فإحصاء الأعمال بالعلم والسمع والبصر مما يحمل العاقل فضلا عن المؤمن على مراقبة من لا تأخذه سنة ولا نوم، ومنه: نظر الوعيد، كما تقدم، فالآية السابقة تحتمله وقوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى): نص فيه لقرينة سبب النزول، فالاستفهام إنكاري توبيخي يؤول إلى إثبات ما أنكره أبو جهل بلسان حاله مع علمه بصدق مقالة الرسالة ومنها بداهة الصلاة التي أنكر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الاستعلان بها وجاء المعمول مؤولا من: "أن" ومعموليها فذلك آكد في تقرير المعنى فضلا عن اسمية الجملة وتكرار الفاعل بإسناد الفعل المضارع الذي استكن فيه عامله إلى مرجعه المظهر الذي قدم في الذكر، فضلا عن الإتيان باسم: "الله" فمعاني الجلال فيه أظهر من اسم: "الرب"، فمعاني الربوبية مئنة من العناية والرعاية وتلك معاني جمال لا يلائمها سياق التهديد والوعيد، وهو ما يشهد لإرادة نظر التهديد بلفظ الرؤية الذي جاء على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث بالنظر إلى آحاده وذلك، أيضا، آكد في التهديد بدوام المراقبة الكونية من الرب، جل وعلا، فالأليق بها لو كان المخاطب ذا عقل: دوام المراقبة الشرعية فيقابل فعل الإله الجليل: كونا، بفعل العبد الذليل: شرعا، والبصر بالمعقولات فـ: (اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، فكذلك الشأن في وصف العين، فالسياق أصل في معرفة مراد المتكلم، فقد يرد في سياق يراد به وصف الذات، وقد يرد في سياق يراد به وصف المعنى، كما في هذا السياق، لقرينة الامتنان بالحفظ الكوني من بطش فرعون، بل قد نشأ في بيته وفي كنفه، وكان له من الحظوة النفسانية ما له، فـ: (أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) فنكرت المحبة تعظيما فضلا عن صدورها من الرب، جل وعلا، خلقا، فقد خلق الرب، جل وعلا، في قلوب من رآه: محبته، وهي محبة سابغة تملأ الصدر وتأسر القلب فلا يملك من رآه إلا التسليم للقدر الكوني النافذ الذي يتصرف في القلوب محبة وبغضا، فالقلوب بيد من يقلبها فإن شاء صرفها على المحبة وإن شاء صرفها على البغضاء، كما يصرف بعضها على الطاعة فضلا، ويصرف آخر على المعصية عدلا فشأن النفس عظيم فلا يتصرف في حركاتها الباطنة وما يظهر من آثارها القولية والفعلية فهي الدليل الفاضح لما يقوم بالنفس من الإدراك الباطن، إيمانا أو كفرا، محبة أو كرها .......... إلخ، لا يتصرف في تلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير