تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحركات الدقيقة إلا الخالق البارئ القدير، ولا يحيط بها إلا اللطيف الخبير فهي، وإن ظهرت بعض أماراتها على صورة البدن، فـ:

مهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.

ومما نسب إلى أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، قوله:

وَالْعَيْنُ تَعْلَمُ فِي عَيْنَيْ مُحَدِّثِهَا ******* مَنْ كَانَ مِنْ حِزْبِهَا أَوْ مِنْ أَعَادِيهَا

عَيْنَاك قَدْ دَلَّتَا عَيْنَيَّ مِنْك عَلَى ******* أَشْيَاءَ لَوْلَاهُمَا مَا كُنْت تُبْدِيهَا

بل قد يظهر بعضها آية لنبي، كما في خبر أبي سفيان، رضي الله عنه، وفيه: "لا أقول شيئًا لو تكلمتُ لأخبرت عني هذه الحصى"، وعند البيهقي، رحمه الله، في "دلائل النبوة": "أن أبا سفيان بن حرب، بعد فتح مكة كان جالسا فقال في نفسه: «لو جمعت لمحمد جمعا، إنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال: "إذا يخزيك الله قال: فرفع رأسه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه، فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إن كنت لأحدث نفسي بذلك"، وكما في تأييد المسيح عليه السلام بعلم بعض الغيب فـ: (أُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)، فهو علم جزئي لا يعارض علم الرب، جل وعلا، الكلي، فلا يصح لمشبه أن يروج به لمقالة الغلو في المسيح عليه السلام فعلم الغيب من أخص أوصاف الرب، جل وعلا، فلا يعلمه على جهة الاستغراق إلا الله، عز وجل، ولا يستأثر بجملة مخصوصة منه فلا علم لملك أو نبي بها، إلا الله، عز وجل، فـ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فذيل بوصف العليم فالخبير فذلك من الترقي في الوصف من الأعم إلى الأخص فهو العليم بالأعيان والأفعال بل الخبير بالدقائق وأشدها خفاء ما استأثر به الرب، جل وعلا، من جملة الغيوب التي وردت في الآية، فيظهر بعض مكنونات النفوس آية من آيات النبوة أو كرامة لولي فهي من الفراسة الإيمانية، بل قد تظهر لمن لا حظ له من ولاية أو ديانة من أصحاب الفراسة الخَلْقية أو الرياضية، فإن ظهر أو علم منها ما تقدم إلا أنه ليس في مقدور البشر الإلمام بمكنون صدر واحد على وجه الإحاطة الكلية، فليس ذلك إلا للرب العليم، جل وعلا، فكيف بمكنون صدور العالمين، فـ: (إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، فجاء التوكيد، كما اطرد في مثل هذه المواضع بجملة من المؤكدات اللفظية من ناسخ مؤكد، واسمية للجملة تفيد ثبوت المعنى الذي تدل عليه، ومضارعة من جنس مضارعة فعل الرؤية في قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)، فيعلم ما تبدي وما تخفي كل نفس، على وجه الإحاطة الكاملة بكل الجزئيات الإرادية، فعلمه، جل وعلا، علم محيط بكل جزئيات الكون أعيانا وأوصافا فليست علوما كلية كما زعم الفلاسفة الذين نفوا علم الرب، جل وعلا، بالجزئيات، فذلك من شؤم تشبيه علمه المحيط الكامل بعلوم البشر المحدودة القاصرة.

والشاهد أنه قد استعير لتلك المحبة الإلقاء الحسي، فإلقاء الثوب على الشيء مظنة السبوغ، فكذلك إلقاء المحبة على الكليم عليه السلام، فهي مظنة إسباغ الوصف عليه، فيحب من كل وجه، ويحبه كل أحد، وتلك، أيضا، من صور الإعداد الكوني لمنصب الرسالة الشرعي، فالرسول تألفه القلوب لكمال خلقه الظاهر وخُلُقه الباطن، فلا ينفر منه البشر، وإن وقع في قلوبهم من هيبته ما وقع، وذلك وصف الكليم، عليه السلام، فهو الشديد في أمر الله، جل وعلا، وهو صاحب المروءة فـ: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ)، وهو الخاشع الخاضع الداعي برسم الفقر إلى الرب الكامل جل وعلا: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، وهو وصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه، وذلك وصف كل مؤمن وإن لم يكن له منه ما للنبي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير