تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أكمل البشر خَلْقا وخُلُقا، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، بقوله: "والجمال قسمان: ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا محل نظر الله وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطن فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود بالعباد". اهـ

فهو وصف الأنبياء عليهم السلام ومن جاء بعدهم من الخلفاء برسم الرشد، فشدة عمر، رضي الله عنه، موسوية جليلة، ورقته لعجائز المسلمين وصبيانهم عيسوية جميلة، وتلك خلائق العظماء الذين يجمعون الأضداد على نحو يكون به الكمال فهو جلال وجمال قد امتزجا على نحو دقيق فلا يغلب أحدهما الآخر، فلكل موضعه الذي يلائمه، وتلك مئنة من الحكمة فلا يوضع الشيء في غير محله، كما هي الحال الغالبة في زماننا، فتستعمل أخلاق الجلال مع المؤمنين ظلما، وتستعمل أخلاق الجمال مع الكافرين الناكثين للعهد بفتنة المؤمنين والطعن في الدين والكافرين المحاربين تستعمل معهم ذلا برسم إعطاء الدنية في الدين، وإن زعمها المخذول: برا وتسامحا، فذلك لا يكون إلا للمعاهدين وأهل الذمة برسم العزة، فـ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

والشاهد أن قضاء الأجل على هذا الوجه الكامل الذي دل على كمال خلق الفاعل، هو من أعظم صور العناية برسول كريم من أولي العزم عليهم السلام، وهو، أيضا، دليل من جملة دلائل النبوة، فالنبي لا يكون، بداهة، إلا وفيا، بل لا يكون إلا أوفى الأوفياء، فنعت الخليل عليه السلام: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، فحذف المعمول مئنة من العموم فوفى بكل ما كلف به، فلا يكون نبي كاذبا في قوله، أو مخلفا لوعده، أو خائنا لأمانة جلت أو دقت، فمن فرَّط في دقيق فرط في جليل، فقضاء الأجل الأوفى، وإن وقع قبل نبوته صلى الله عليه وسلم إلا أنه مئنة ظاهرة من كمال حاله فلا ذريعة لطاعن فيه، فذلك من جنس ما ألزم به النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم قومه، فـ: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فلبث فيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أكمل حال، فتلك شهادة الموافق والمخالف، فحاله قبل البعثة أرضى حال فما يحمله بعد تلك السنين على الكذب على رب العالمين، وهو الذي لم يكذب على أحد من البشر؟!.

فلما قضى الكليم عليه السلام الأجل الأقصى، سار بأهله، فـ: آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا: نكرت تعظيما فهي من نور الرب، جل وعلا، كما في حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه، ما انتهى إليه بصره من خلقه"، فله، جل وعلا، من وصف العظمة والجلال ما لا يطيق الكون آثاره، فلا يكشف الحجاب في دار الابتلاء، فذلك يبطل التكليف بمعاينة ما امتحن العباد بتصديقه من الغيب، وأعظم غائب عن العقل: حقيقة وصف الرب ذي الجلال والإكرام، فالعقل يدرك منه المعنى الكلي في الذهن دون الحقيقة في الخارج، فلا يعلم كيف هو في ذاته وصفاته إلا هو، فهو العليم فـ: (لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، فلا يحيطون بشيء من علم ذاته وصفاته وحكمة أفعاله الكاملة فهي تأويل تقديره الكوني النافذ وحكمة كتبه النازلة فهي مسطور تقديره الشرعي الحاكم، فلا يحيطون بشيء من كل ذلك، على القول بعود الضمير عليه جل وعلا، لا يحيطون بشي منه إلا بما شاء من المعاني الشريفة التي جاءت بها النبوات، فهي من أعظم صور المنة بالرسالات التي عرفت العباد من وصف ربهم، جل وعلا، ما بين مجمل الفطرة وأزال كل شك وحيرة، فلسان مقال الرسل عليهم السلام: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير