تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فليس ثم شك في الإله المعبود بحق، فالتقديم لما حقه التأخير في اللفظ، يفيد اختصاص الإنكار والنفي، بالشك في استحقاق الله، عز وجل، لمنصب الألوهية الحقة، على وجه تنتفي فيه كل شركة في الإيجاد أو التدبير أو التأثير، فليس ثم شيء في الكون إلا وهو أثر من آثار تقدير الرب، جل وعلا، فـ: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، فذلك عموم مستغرق لكل مخلوق من العرش إلى أسفل أرض، فضلا عن اختصاص من أنكر ذلك بالتوبيخ الذي أشربه الاستفهام، والإبطال بالنظر إلى فساد مقالته، فلا أفسد من مقالة من نازع الرب، جل وعلا، ألوهيته، بتشريك أو تثليث ..... إلخ من صور الغلو في المخلوق الناقص والجفاء في الخالق الكامل، جل وعلا، فما تولد شرك إلا من غلو في مخلوق باعتقاد ما ليس له من أوصاف الكمال الذاتي، فـ: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ)، فليس لهم بعد موتهم من وصف كمال في ذواتهم فضلا عن التصرف بالنفع والضر في غيرهم!، فبطلان ألوهيتهم لازم نقص أوصافهم الذاتية التي تظهر آثارها: أفعالا بالجوارح المخلوقة التي فنت بموتهم فليس لهم من آلة الفعل البشري شيء فتلك مقدمة عقلية ضرورية يسلم بها المخالف، وليس لهم من وصف الفعل البشري شيء نتيجة أولى، وليس لهم من باب أولى من وصف الفعل الرباني شيء: نتيجة ثانية، فحال الداعي أكمل من حال المدعو!، بالنظر إلى صحة آلاته الظاهرة، فما فسد تصوره فدعا غائبا لا يسمعه، لنقصان وصفه الذاتي، وإن كان نبيا أو ملكا شريف القدر، فلا ينفك أولئك مع عظم شأنهم عن نقص ضروري به يظهر انفراد الرب، جل وعلا، بالكمال الذاتي والوصفي المطلق، فذلك كما تقدم ذريعة ضرورية إلى إفراده بمنصب الألوهية عبودية وتشريعا، فما فسد تصور أولئك بدعوة الملائكة والأنبياء والصالحين ..... إلخ إلا بالغلو في ناقص بإنزاله منزلة الكامل، فذلك من الفساد الضروري للقياس العقلي للتسوية في الحكم بين أعظم متباينين في الوصف، وكما أن آلة الفعل البدني لا أثر لها في التصرف الكوني، فكذلك الروح، فقد فارقت الجسد برسم العبودية، فهي روح مخلوق لا خروج لها عن أمر الخالق، جل وعلا، فلا خروج لذرة من الكون عن أحكام الربوبية التقديرية الكونية برسم القهر، وإن وقع الابتلاء برسم التكليف والاختيار، فالجهة منفكة، فالعبد مقهور بالقدر الكوني فلا خروج له عن أحكامه، ممتحن بالقدر الشرعي فيتصور خروجه عن أحكامه ولا يكون ذلك إلا بما قضى به الرب، جل وعلا، فمشيئته نافذة في كل حال. فليس ثم شك في الإله المعبود بحق لكمال وصفه وفعله ربوبية:

إيجادية للأعيان وتدبيرية للأوصاف والأفعال والحركات اختيارية كانت أو اضطرارية، فجاء التذييل بأثر من آثارها: (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ففطر السماوات والأرض على هذا النحو البديع فلا مثال سابق له، من أظهر أدلة الربوبية التي تدل لزوما على وجوب إفراده، جل وعلا، بمنصب الألوهية، كما تقدم مرارا، من التلازم الوثيق بين النوعين: الخبري العلمي بأوصاف الرب الكامل جل وعلا فله أوصاف الجلال والجمال، وأحكام ربوبيته تكوينا وتشريعا فلا تصرف في الكون إلا له، جل وعلا، ولا شرع يبتلى العباد بامتثاله إلا منه، جل وعلا، فهو منزل الكتب ومقرر الشرائع التي جاءت بها النبوات ليساس بها البشر برسم العدل فبه تقوم السماوات والأرض.

وربوبية عناية: فيدعو البشر، مع كمال استغنائه عنهم فلا يفتقر إلى نفعهم ولا يناله ضرهم، فـ: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي"، بل يدعوهم ليغفر لهم فتلك من أظهر صور عنايته، جل وعلا، بالعباد، فمغفرة الله، عز وجل، أعظم سؤل فبها تحصل النجاة في الدارين، فمن غفر له بشر بسعة العيش في دار الابتلاء وإن ضاقت أسبابه المادية، والعيش الكامل في دار السلام، فمغفرة وتأخير إلى أجل مسمى برسم الحياة الهنيئة، وميتة شريفة لمن قدر له الرب، جل وعلا، خاتمة السعادة على الطريقة الكاملة، وحياة برزخية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير