ـ[أبوأيوب]ــــــــ[26 - 08 - 2009, 01:10 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين
أخي وأختي رعاكما الله، وأحل عليكما رضاه، وجنبكما سخطه وغضبه.
إذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه
أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته وصفات كماله، ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه.
فبهذا تَعرّف إلى عباده، وندبهم إلى التفكر في آياته، ونذكر لذلك أمثلة مما ذكرها الله سبحانه في كتابه يُستدل بها على غيرها.
فمن ذلك خلق الإنسان وقد ندب سبحانه إلى التفكر فيه والنظر في غير موضع من كتابه
كقوله تعالى: " فلينظر الإنسان مم خلق "، وقوله تعالى: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "، وقوله تعالى: " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ".
وقال تعالى: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى ".
وقال تعالى: " ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ".
وقال تعالى: " أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ".
وقال تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ".
وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره
إذ نفسه وخلقه من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه، وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه، ولو فكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كفره.
قال الله تعالى: " قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ".
فلم يكرر سبحانه على أسماعنا وعقولنا ذكر هذا؛ لنسمع لفظ النطفة والعلقة والمضغة والتراب ولا؛ لنتكلم بها فقط ولا؛ لمجرد تعريفنا بذلك بل لأمر وراء ذلك كله.
هو المقصود بالخطاب، وإليه جرى ذلك الحديث.
فانظر الآن إلى النطفة بعين البصيرة، وهي قطرة من ماء مهين ضعيف مستقذر، لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت، وأنتنت!
كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير من بين الصلب والترائب منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها واختلاف مجاريها إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجمعها!
وكيف جمع سبحانه بين الذكر والأنثى، وألقى المحبة بينهما!
وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة إلى الاجتماع الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه!
وكيف قدّر اجتماع ذينك الماءين مع بعد كل منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماق العروق والأعضاء، وجمعهما في موضع واحد جُعِل لهما قرارا مكينا. لا يناله هواءٌ يفسده، ولا بردٌ يجمده، ولا عارض يصل إليه، ولا آفة تتسلط عليه،
ثم قَلَّب تلك النطفةَ البيضاءَ المشربة علقة حمراء تضرب إلى سواد، ثم جعلها مضغة لحم مخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها،
ثم جعله عظاما مجردة لا كسوة عليها مباينةً للمضغة في شكلها وهيأتها وقدرها وملمسها ولونها!
وانظر كيف قسم تلك الأجزاء المتشابهة المتساوية إلى الأعصاب والعظام والعروق والأوتار، واليابس واللين وبين ذلك، ثم كيف ربط بعضها ببعض أقوى رباط وأشده وأبعده عن الانحلال!
وكيف كساها لحما ركبه عليها، وجعله وعاء لها وغشاء وحافظا، وجعلها حاملة له مقيمة له. فاللحم قائم بها، وهي محفوظة به!
وكيف صوَّرها فأحسن صورها، وشق لها السمع والبصر والفم والأنف وسائر المنافذ، ومد اليدين والرجلين، وبسطهما، وقسم رؤوسهما بالأصابع، ثم قسم الأصابع بالأنامل!
¥