وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء. كل واحد منها له قدر يخصه، ومنفعة تخصه!
ثم انظر الحكمة البالغة في تركيب العظام ....
لحديث ابن القيم رحمه الله في التفكر في خلق الإنسان بقية تأتي إن شاء الله في المقال القادم.
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[30 - 08 - 2009, 05:49 م]ـ
ثم انظر الحكمة البالغة في تركيب العظام قواما للبدن، وعمادا له!
وكيف قدرها ربه، وخالقها بتقادير مختلفة، وأشكال مختلفة، فمنها الصغير والكبير، والطويل والقصير، والمنحنى والمستدير، والدقيق والعريض، والمصمت والمجوف!
وكيف ركب بعضها في بعض، فمنها ما تركيبه تركيب الذكر في الأنثى، ومنها ما تركيبه تركيب اتصال فقط!
وكيف اختلفت أشكالها باختلاف منافعها، ولما كان الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه للتردد في حاجته، لم يجعل عظامه عظما واحدا. بل عظاما متعددة!
وجعل بينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة، وكان قدر كل واحد منها وشكله على حسب الحركة المطلوبة منه!
وكيف شد أسر تلك المفاصل والأعضاء، وربط بعضها ببعض بأوتار، ورباطات أنبتها من أحد طرفي العظم، وألصق أحد طرفي العظم بالطرف الآخر كالرباط له!
ثم جعل في أحد طرفي العظم زوائد خارجة عنه، وفي الآخر نقرا غائصة فيه موافقة لشكل تلك الزوائد؛ ليدخل فيها، وينطبق عليها فإذا أراد العبد أن يحرك جزءا من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذر ذلك عليه!
وتأمل كيفية خلق الرأس، وكثرة ما فيه من العظام حتى قيل: إنها خمسة وخمسون عظما مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع!
وكيف ركبه سبحانه وتعالى على البدن، وجعله عاليا علو الراكب على مركوبه!
ولما كان عاليا على البدن جعل فيه الحواس الخمس، وآلات الإدراك كلها من السمع والبصر والشم والذوق واللمس!
وجعل حاسة البصر في مقدمه؛ ليكون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن!
وركب كل عين من سبع طبقات لكل طبقة وصف مخصوص، ومقدار مخصوص، ومنفعة مخصوصة لو فقدت طبقة من تلك الطبقات السبع، أو زالت عن هيئتها وموضعها، لتعطلت العين عن الإبصار!
ثم أركز سبحانه داخل تلك الطبقات السبع خلقا عجيبا، وهو إنسان العين بقدر العدسة يبصر به ما بين المشرق والمغرب، والأرض والسماء!
وجعله من العين بمنزلة القلب من الأعضاء، فهو ملكها، وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خدم له وحجاب وحراس. فتبارك الله أحسن الخالقين!
فانظر كيف حسّن شكل العينين، وهيأتها، ومقدارهما!
ثم جملهما بالأجفان غطاء لهما وسترا وحفظا وزينة، فهما يتلقيان عن العين الأذى، والقذا، والغبار، ويكنانهما من البارد المؤذي، والحار المؤذي!
ثم غرس في أطراف تلك الأجفان الأهداب جمالا وزينة، ولمنافع أخر وراء الجمال والزينة!
ثم أودعهما ذلك النور الباصر، والضوء الباهر الذي يخرق ما بين السماء والأرض، ثم يخرق السماء مجاوزا لرؤية ما فوقها من الكواكب!
وقد أودع سبحانه هذا السر العجيب في هذا المقدار الصغير بحيث تنطبع فيه صورة السموات مع اتساع أكنافها، وتباعد أقطارها!
وشق له السمع، وخلق الأذن أحسن خلقه، وأبلغها في حصول المقصود منها!
فجعلها مجوفة كالصدفة؛ لتجمع الصوت، فتؤديه إلى الصِّمَاخ، وليحس بدبيب الحيوان فيها، فيبادر إلى إخراجه!
وجعل فيها غضونا وتجاويف واعوجاجات تمسك الهواء والصوت الداخل، فتكسر حدته، ثم تؤديه إلى الصماخ.
ومن حكمة ذلك أن يطول به الطريق على الحيوان، فلا يصل إلى الصماخ حتى يستيقظ الإنسان، أو ينتبه لإمساكه، وفيه أيضا حكم غير ذلك!
ثم اقتضت حكمة الرب الخالق سبحانه
أن جعل ماء الأذن مرا في غاية المرارة، فلا يجاوزه الحيوان ولا يقطعه داخلا إلى باطن الأذن. بل إذا وصل إليه أعمل الحيلة في رجوعه!
وجعل ماء العينين ملحا؛ ليحفظها، فإنها شحمة قابلة للفساد، فكانت ملوحة مائها صيانة لها وحفظا!
وجعل ماء الفم عذبا حلوا؛ ليدرك به طعوم الأشياء على ما هي عليه. إذ لو كان على غير هذه الصفة لأحالها إلى طبيعته، كما أن من عرض لفمه المرارة استمر طعم الأشياء التي ليست بمرة،
كما قيل:
ومن يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجد مُرًّا به الماءَ الزُّلالا
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[30 - 08 - 2009, 05:58 م]ـ
¥