ـ[أبوأيوب]ــــــــ[01 - 09 - 2009, 02:53 م]ـ
وكذلك خلقه سبحانه لليدين اللتين هما آلة العبد، وسلاحه، ورأس مال معاشه!
فطوَّلهما بحيث يصلان إلى ما شاء من بدنه!
وعرَّض الكف؛ ليتمكن به من القبض والبسط! وقسم فيه الأصابع الخمس، وقسم كل إصبع بثلاث أنامل، والإبهام باثنتين!
ووضع الأصابع الأربعة في جانب، والإبهام في جانب؛ لتدور الإبهام على الجميع!
فجاءت على أحسن وضع صلحت به للقبض والبسط، ومباشرة الأعمال. ولو اجتمع الأولون، والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق أفكارهم وضعا آخر للأصابع سوى ما وُضِعت عليه لم يجدوا إليه سبيلا. فتبارك من لو شاء لسواها، وجعلها طبقا واحدا كالصفيحة، فلم يتمكن العبد بذلك من مصالحه، وأنواع تصرفاته، ودقيق الصنائع والخط، وغير ذلك!
فإن بَسَط أصابعه كانت طبقا يضع عليه ما يريد، وإن ضَمَّها وقبضها كانت دبوسا وآلة للضرب، وإن جعلها بين الضم والبسط كانت مِغْرَفة له يتناول بها، وتمسك فيها ما يتناوله!
وركَّب الأظفار على رؤوسها زينة لها، وعمادا، ووقاية؛ وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا ينالها جسم الأصابع!
وجعلها سلاحا لغيره من الحيوان والطير، وآلة لمعاشه، ولِيَحُكَّ الإنسان بها بدنه عند الحاجة.
فالظِّفر الذي هو أقل الأشياء، وأحقرها لو عَدِمه الإنسان، ثم ظهرت به حكة لاشتدت حاجته إليه، ولم يقم مقامه شيء في حَكِّ بدنه، ثم هَدى اليَدَ إلى موضع الحك حتى تمتد إليه، ولو في النوم والغفلة من غير حاجة إلى طلب، ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك إلا بعد تعب ومشقة! ثم انظر إلى الحكمة البالغة في جعل عظام أسفل البدن غليظة قوية؛ لأنها أساس له، وعظام أعاليه دونها في الثخانة والصلابة؛ لأنها محمولة!
ثم انظر كيف جعل الرقبة مَرْكَباً للرأس! وركبها من سبع خَرَزات مجوفات مستديرات، ثم طبق بعضها على بعض، وركب كل خرزة تركيبا محكما متقنا حتى صارت كأنها خرزة واحدة، ثم ركب الرقبة على الظهر والصدر!
ثم ركب الظهر من أعلاه إلى منتهى عَظْمِ العَجُز من أربع وعشرين خرزة مركبة بعضها في بعض!
هي مجمع أضلاعه والتي تمسكها أن تنحل وتنفصل، ثم وصل تلك العظام بعضها ببعض، فوصل عظام الظهر بعظام الصدر، وعظام الكتفين بعظام العضدين، والعضدين بالذراعين، والذراعين بالكف والأصابع!
وانظر كيف كسا العظام العريضة كعظام الظهر والرأس كسوة من اللحم تناسبها!
وكسا العظام الدقيقة كسوة تناسبها كالأصابع، والمتوسطة كذلك كعظام الذراعين والعضدين.
فالإنسان مركب على ثلاثمائة وستين عظما. مئتان وثمانية وأربعون مفاصل، وباقيها صغار حشيت خلال المفاصل، فلو زادت عظما واحدا لكان مضرة على الإنسان!
يحتاج إلى قلعه، ولو نقصت عظما واحدا كان نقصانا يحتاج إلى جبره! فالطبيب ينظر في هذه العظام، وكيفية تركيبها؛ ليعرف وجه العلاج في جبرها، والعارف ينظر فيها؛ ليستدل بها على عظمة باريها وخالقها، وحكمته، وعلمه، ولطفه. وكم بين النظرين!
ثم انه سبحانه ربط تلك الأعضاء ... .
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم!
لنا عودة مع ابن القيم والتفكر في خلق الإنسان إن شاء الله.
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[04 - 09 - 2009, 01:04 ص]ـ
ثم إنه سبحانه ربط تلك الأعضاء والأجزاء بالرباطات فشد بها أسرها، وجعلها كالأوتاد تمسكها وتحفظها!
حتى بلغ عددها إلى خمس مئة وتسعة وعشرين رباطا!
وهي مختلفة في الغلظ والدقة، والطول والقصر، والاستقامة والانحناء. بحسب اختلاف مواضعها ومحالها!
فجعل منها أربعة وعشرين رباطا آلة لتحريك العين، وفتحها، وضمها وإبصارها لو نقضت منهن رباطا واحدا اختل أمر العين!
وهكذا لكل عضو من الأعضاء رباطات هن له كالآلات التي بها يتحرك، ويتصرف، ويفعل!
كل ذلك صنع الرب الحكيم، وتقدير العزيز العليم في قطرة ماء مهين. فويل للمكذبين وبعدا للجاحدين!
ومن عجائب خلقه أنه جعل في الرأس ثلاث خزائن نافذا بعضها إلى بعض: خزانة في مقدمه، وخزانة في وسطه، وخزانة في آخره!
وأودع تلك الخزائن من أسراره ما أودعها من الذكر والفكر والتعقل!
¥