تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووصف إمام الموحدين الخليل، عليه السلام، وذريته بقوله تعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ"، فاذكرهم على حد التأسي بهم في كمال عبوديتهم، فهم عبادنا على حد إضافة التشريف إلى معبودهم، جل وعلا، ومن أحق منهم بذلك، إذ هم، كما تقدم، صفوة الخلق فرعا عن كونهم أفقر البرية إلى الحق.

ووصف خير البرية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بوصف العبودية في أشرف المقامات: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).

وفي أشرف مقامات الأنبياء: مقام الدعوة: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا). فالإضافة هنا، أيضا، على حد: التشريف، على ما اطرد من كون الإضافة في هذا الباب على وجهين:

الأول: إضافة ما لا يقوم بنفسه من الأوصاف إلى موصوفه، فهو من إضافة الوصف إلى موصوفه، على حد: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، فالكلام لا يستقل بذاته، ولا يقوم بذات غير المتكلم به، على حد زعم النصارى من قيام الكلمة بذات المسيح عليه السلام، وزعم المعتزلة قيام الكلام بالشجرة فهي التي كلمت موسى عليه السلام!. فقيام الوصف في محل آخر مع بقائه وصفا للمحل الأول: أمر غير متصور عقلا، وعزل الوحي عن منصب الولاية على العقل مظنة صدور تلك الأقوال التي يكفي في إبطالها حكايتها، والحمد لله على نعمة النبوة الصحيحة والعقول الصريحة التي لا صلاح لها إلا بالسير على جادة الرسالة فقد استوفت أجناس الاستدلال العقلي الصريح بألفاظ موجزة المبنى بينة المعنى.

والثاني: إضافة ما يقوم بنفسه إلى الرب، جل وعلا، فذلك مما نحن فيه من إضافة التشريف، فالعبودية في هذه الآيات جارية على حد هذه الإضافة التشريفية إلى رب البرية فرعا عن الوقوف على حد العبودية: افتقارا وتذللا، وبقدر الافتقار والذل يكون: الغنى والعز، على حد قوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، فالأمر للإيجاب والإرشاد إلى طريق العزة: تمام الذلة لمن بيده الملك على حد قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): فتعز من تشاء فضلا، فيذل ويخشع لك على حد الفقر الاختياري المحمود: فقر العابد المطيع. وتذل من تشاء عدلا، إذ ما ابتغى أحد العز عند غيرك إلا وأصابه من ضد ما فر منه من الذل ما أصابه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[محمد التويجري]ــــــــ[26 - 08 - 2009, 08:04 ص]ـ

جزيت خيرا أستاذنا الفاضل

ـ[كرم مبارك]ــــــــ[26 - 08 - 2009, 01:18 م]ـ

بوركت، مقال نفيس

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 08:06 ص]ـ

جزاكما الله خيرا أيها الكريمان على المرور والتعليق وبارك فيكما.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فتأَمل قوله تعالى فى الآية: {أَنْتُمُ الفُقَرَآءُ إِلَى اللهِ} [فاطر: 15]، فعلق الفقر إليه باسمه دون اسم الربوبية ليؤذن بنوعى الفقر، فإِنه كما تقدم نوعان:

فقر إِلى ربوبيته وهو فقر المخلوقات بأَسرها، وفقر إِلى أُلوهيته وهو فقر أَنبيائه ورسله وعباده الصالحين، وهذا هو الفقر النافع والذى يشير إِليه القوم ويتكلمون عليه ويشيرون إِليه هو الفقر الخاص لا العام". اهـ

ص24

فالفقر فقران:

فقر إلى ربوبيته إقامة للأبدان: فالخلق كلهم مفتقرون إللى وصف ربوبيته العامة: إيجادا وإعدادا وإمدادا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير