تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإِذا كان مصدر تصرفه وغايته هو هذه الرغبة والرهبة رأَى نفسه لا محالة مالكاً، فادعى الملك وخرج عن حد العبودية ونسى فقره، ولو عرف نفسه حق المعرفة لعلم أَنما هو مملوك ممتحن فى صورة ملك متصرف كما قال تعالى: {ثُمّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ". اهـ

ص25

باعث: الرغبة في الثواب، والرهبة من العقاب، باعث: (اللهم إني أسألك الجنة)، فحولها دندن الأنبياء، عليهم السلام، إذ كانت أشرف المطالب العلية التي لا تسموا إلى تحصيلها إلا الهمم العلية، فالعلي بالعلي أليق، والدني بالدني أليق، وكل يعمل على شاكلته، فروح، كما يقول ابن القيم، رحمه الله، تطوف حول العرش، وروح لما تزل حبيسة الحش، و: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)، فيخلق بقدرته النافذة: البر والفاجر، الشريف والوضيع، النفيس والخسيس، ولكنه لا يختار لدرجات الجنان إلا أصحاب الرتب العلية، فذلك من كمال حكمته وفضله، كما تقدم من حد الحكمة فهي: وضع الشيء في محله القابل، ولا يختار لدركات النيران إلا أصحاب الرتب الدنية، فذلك من تمام حكمته وعدله، فالأولون بفضله مقربون، والآخرون بعدله مبعدون، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، فما حاجته إليهم ليظلمهم، وهل يظلم إلا الفقير الذي يطمع في ملك المظلوم فيقهره عليه لشدة فاقته واحتياجه إليه، فكيف صح قول أخبث يهود: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)، فنسبوا تمام الملكة على حد الاستقلال بالتصرف إلى ذواتهم الفقيرة، ونزعوه في المقابل عن الرب، جل وعلا، الذي له من المِلك والمُلك كماله، فهو مالك الأعيان بمُلكه، المتصرف في الأحوال بمِلكه. وعند التحقيق، لا يخلو أي معبود عبد من دون الله، عز وجل، من ذلك الوصف، سواء ادعاه أو ادعي له.

فلسان حاله إن كان طاغوتا قد رضي بذلك: أنا الغني الذي يفتقر الخلق إلى ما في خزائني، ويخشون بطشي وسطوتي فيتقربون إلي على حد الرغبة فيما عندي، والرهبة من سيفي وسوطي، فذلك الطغيان العملي.

ولسان حاله إن كان طاغوتا يدعو الناس إلى تحكيم نحاتة ذهنه، ونبذ الكتاب المنزل: أنا العليم علم الإحاطة بالمآلات، الحكيم فلا تخفى عليه العاقبات، فذلك الطغيان العلمي.

ولسان حال من غلا في متبوعه غلو النصارى في المسيح، عليه السلام، وغلو المبتدعة في الآل، عليهم وعلى الصحب الرضوان، وغلو أهل الطريق في الشيوخ والفقراء، فأقاموا لهم المشاهد المزخرفة، ليروج باطلهم القبيح على مريدي الخلاص بدخول ملكوت المسيح عليه السلام، أو شفاعة الإمام أو الشيخ، فهو طريق المريد إلى الله، بل هو الله، بلسان المقال أو الحال!، وعززوا ذلك بالتخشع والتأوه والبكاء، فصيروا الملة: قلبا بلا عقل، عملا بلا علم، وذلك مظنة الضلال، على حد دعاء السبع المثاني: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، فاهدنا الصراط المستقيم بعلم نافع صحيح، وعمل صالح رشيد لا غلو فيه ولا تقصير، فمن طلب العلم بلا عمل فقد أشبه المغضوب عليهم، وذلك حال من فسد حاله من علماء الملة الخاتمة، ومن طلب العمل بلا علم فقد أشبه الضالين وذلك حال من فسد حاله من عباد الملة الخاتمة، لسان حال أولئك: إن من ندعوا إلى عبادته له من أوصاف الكمال والغنى ما صيره أهلا لأن يتصرف في أحوال الكون على جهة الاستقلال فهو الإله بعينه، أو هو نائبه المتنفذ!. ولا عزاء للمغفلين.

وكل أولئك: قطاع طريق محترفون، قد ابتكروا من وسائل الغواية ما صير الشيطان المَريد دونهم رتبة فهو من فنون غوايتهم يقتبس!

يقول ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير