تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالملكة موجبة للطغيان، أو بعبارة أدق: رؤية الملكة على حد الاستقلال بالتدبير بمنأى عن حكم الرسالات، فالبعد عنها مظنة كل شؤم، إذ يفسد تصور صاحب المال، فيصير قاروني المسلك، فرعوني المنهج، فينسب الخير إلى نفسه على حد الاستقلال، وإذا أصيب في ماله أو ولده، نظر إلى السماء نظر المعترض لا المسلم، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، فأهل النعيم والسعة على جهة المحادة للنبوة، وهذا حال أغلب المترفين، لهم من فساد التصور وفساد العمل في باب القضاء والقدر قسط وافر، فإن غلظ حجاب الترف يحجب نور الإيمان بالقضاء والقدر عن قلوبهم، فهم من أجزع الناس حال الابتلاء فرعا عن كونهم من أفقر الناس، مع ادعائهم الغنى على حد الطغيان حال السعة، فحالهم إذا وقعت المصيبة في المال أو الولد شاهدة بضد ما ادعوه لأنفسهم من الاستغناء بخلاق الدنيا الفاني، فلو كانوا أغنياء حقا، كما ادعوا، لردوا عن أنفسهم القضاء المبرم، وذلك: محال بداهة، إذ ليس المصاب الكوني النافذ مما يرد لتعلقه بقدرة الرب، جل وعلا، على حد الجزم والحتم، فلا راد لقضائه الكوني، على حد قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)، فأبلغناه ذلك على حد النفاذ فلا راد له، فأسر بأهلك لئلا ينالك من ذلك القضاء النافذ شيء، ولا راد لأمره الكوني، على حد قوله تعالى: (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)، فلا راد لعذابه المأمور الذي يكون بأمره الكوني النافذ، فالأمر يحتمل المصدر باعتبار السبب وهو الأمر الكوني النافذ، أو اسم المفعول: المأمور باعتبار العقاب الرباني النافذ، وعلى كلا القولين: فالأمر قد قضي وفرغ منه، فاقتضت قدرة الله، عز وجل، النافذة، وحكمته الباهرة ألا يؤمن أولئك، فيسروا إلى ضد الإيمان والانقياد من: الكفران والعناد، ولا مبدل لجعله الكوني، على حد قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا)، فجعل الذكر ذكرا فلا مؤنِّث له، وجعل الأنثى أنثى فلا مذكِّر لها إلا على حد العبث والخروج عن مقتضى الفطرة الكونية، كما هو مشاهد في عصرنا الحاضر، ولا يكون ذلك، عند التحقيق، إلا بقضاء كوني آخر، فهم حال الرضا أو السخط: تحت المشيئة الربانية، وذلك عين الفقر الذي ادعوا ضده، فليس لهم من أمر إيجاد الأبدان أو جريان الأسباب شيء، إذ تدبيرهم مقيد بأمر الشرع، فلا يكون التدبير الكوني العام بإنفاذ المقدورات أو منعها، بتعمير البلدان أو خرابها ......... إلخ إلا للرب، جل وعلا، والأدهى من ذلك أنهم: أظهروا الاستغناء عن التأله للرب المعبود، جل وعلا، وذلك أمر بدهي، إذ فسد تصورهم في باب الربانيات، فظنوا اسنغناءهم عن تدبير الرب، جل وعلا، فما حاجتهم إليه ليتألهوا له، إذا كانوا قد استغنوا عنه؟!، فالغني لا يمد يده إلى غيره على حد التذلل، والغني، ولو اسما بلا وصف، كما هو حالهم، لا يمد يده إلى رب لم يستحضر معاني كماله في قلبه، ولذلك كان نفاة الصفات أفسد الناس علما وعملا في هذا الباب، إذ أنزلوا الرب، جل وعلا، منزلة العدم، ووصفه من وصفه من المشبهة بأوصاف الخلق، بل وصفه فئام من البشر ليس لهم من العقل إلا الاسم والجرم الكائن في الدماغ، بأوصاف يتنزه عنها آحاد القادرين من البشر، فضلا عن رب البشر، فهو عاجز عن دفع الضر عن نفسه، فإسرائيل يصرعه لينال منه صك ملكية الأرض المقدسة ليهود، وهو فقير يستقرض من عباده.

وهو مصلوب قد أسلم ناسوته لأعدائه الذين فعلوا به من الشناعات ما فعلوا، فرعا عن عجزه عن غفران ذنوب عباده وتخليصهم من سجن أعدى أعدائه، فلن يكون ذلك إلا بإهانة ناسوته على ذلك النحو المفجع!.

تعالى الملك السلام من كل وصف قادح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير