تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأَيضاً من أَقسام الفراغ إِسكات اللسان عنها ذماً ومدحاً لأَن من اهتم بأَمر وكان له فى قلبه موقع اشتغل اللسان بما فاض على القلب من أَمره مدحاً أَو ذماً، فإنه إن حصلت له مدحها، وإِن فاتته ذمها. ومدحها وذمها علامة موضعها من القلب وخطرها فحيث اشتغل اللسان بذمها كان بذلك لخطرها فى القلب، لأَن الشيء إِنما يذم على قدر الاهتمام به، والاعتناءُ شفاءُ الغيظ منه بالذم.

وكذلك تعظيم الزهد فيها إِنما هو على قدر خطرها فى القلب، إِذ لولا خطرها وقدرها لما صار للزهد فيها خطر، وكذلك مدحها دليل على خطرها وموقعها من قلبه، فإِن من أَحب شيئاً أَكثر من ذكره". اهـ بتصرف

ص28.

فاللسان ترجمان القلب، وفي عالم الشهادة: قد تفسد شدة التعلق بمخلوق سواء أكان عاقلا متحركا، كمن يعشق صورة فانية، أم عرضا ساكنا كمن تعلق قلبه بمال منقول أو عقار موقوف ........ إلخ، قد يفسد ذلك تصور صاحبه، فيرى القبيح مليحا، ويرى الفاني الزائل باقيا، وحال العشاق في الغلو في معشوقيهم خير شاهد على ذلك، فهم أفسد الناس تصورا لمحبوبيهم، فرعا عن فساد عقولهم بالاختبال والوله!، فيرون عين النقصان كمالا، ويغضون الطرف عن مظاهر الفساد الظاهرة في صور محبوبيهم، فالنقص لكل كائن مخلوق وصف لازم، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة، ولولا ذلك الفساد العلمي بالتعلق بغير الله، عز وجل، على حد الركون إليه والاستغناء به عن الغني الباقي جل وعلا، لولا ذلك الفساد ما انطلقت الألسنة: مدحا وذما، فمن أفرط في الحب والمدح غلوا، أفرط في البغض والذم جفاء، فهو دائم الذكر لغير الله، عز وجل، مادحا إن كان وصل، قادحا إن كان هجر، فهو عبد بلسان الحال لمن أحب، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تَعِسَ عبد الدينار وعبد الدِّرْهَم وعبد الخَميصة، إن أُعْطِيَ رضي، وإن لم يُعْطَ سَخِط، تَعس وانتكَسَ، وإذا شيك فلا انْتَقَش)، فهو عبد ذليل في صورة سيد عزيز، ومملوك أسير في صورة مالك حر طليق.

ثم انتقل ابن القيم، رحمه الله، إلى بيان أنواع الظلمة فقال:

"والظلمات الثلاث هى: ظلمة النفس، وظلمة الطبع، وظلمة الهوى. فلا بد من الولادة مرتين كما قال المسيح للحواريين: إِنكم لن تلجوا ملكوت السماءِ حتى تولدوا مرتين. ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم أَباً للمؤمنين كما فى قراءَة أُبِى: "النبى أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم وهو أَب لهم"، (وهي قراءة منسوخة إذ كان أبي، رضي الله عنه، ممن يثبت كل حرف نازل، وإن ورد عليه الناسخ، ولذلك عدل المسلمون عن مصحفه، وإن كان من أعلم الناس بالتنزيل، كما في أثر عمر، رضي الله عنه، فتجري مجرى حديث الآحاد، فمنه المحكم ومنه المنسوخ فلا إشكال في ذلك، أو تجري مجرى القراءة التفسيرية، إن لم ينسبها صاحبها إلى التنزيل)، ولهذا تفرع على هذه الأبوة أَن جعلت أَزواجه أُمهاتهم، فإن أَرواحهم وقلوبهم ولدت به ولادة أُخرى غير ولادة الأُمهات، فإِنه أَخرج أَرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغى إِلى نور العلم والإِيمان وفضاءِ المعرفة والتوحيد، فشاهدت حقائق أُخر وأُموراً لم يكن لها بها شعور قبله، قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ} [إبراهيم: 1]، وقال: {هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ} [الجمعة: 2] وقال: {لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ} ". اهـ بتصرف

ص29، 30.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير