بفكره واتخذه إِلهاً من دون الله سبحانه، وإِله الرسل وراءَ ذلك كله: {إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبّرُ الأمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس: 3 - 4] وقال تعالى: {اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ الّذِيَ أَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مّآءٍ مّهِينٍ ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 4 - 9].
فقد تعرف سبحانه إِلى عباده بكلامه معرفة لا يجحدها إِلا من أَنكره سبحانه، وإِن زعم أَنه مقربه. والمقصود أَن التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له رباً يقصده وصمداً يصمد إِليه فى حوائجه وملجأً يلجأُ إِليه فإِذا استقر ذلك فى قلبه وعرف ربه باسمه الظاهر استقامت له عبوديته وصار له معقل وموئل يلجأُ إِليه ويهرب إِليه ويفر كل وقت إِليه". اهـ بتصرف
ص34، 35.
وفي نفس السياق يقول قوام السنة، رحمه الله، في كلمات جامعات:
"ومن أسماء الله تعالى: الأول والآخر والظاهر والباطن وهي صفة معرفة ذاته. قال أهل العلم:
معنى الأول: هو الأول بالأولية، وهو خالق أول الأشياء.
ومعنى الآخر: هو الآخر الذي لا يزال آخرا دائما باقيا الوارث لكل شيء بديمومته وبقائه.
ومعنى الظاهر: ظاهر بحكمته وخلقه وصنائعه وجميع نعمه الذي أنعم به.
ومعنى الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكنه صفاته". اهـ
"الحجة في بيان المحجة"، (1/ 130).
فالله، عز وجل، هو: الأول والآخر والظاهر والباطن: وقد فسرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (اللهمّ أنتَ الأول فليسَ قبلكَ شيءٌ، وأنت الآخِرُ فَليَسً بعدك شيءٌ، وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شيءٌ، وأنت الباطنُ فليسَ دونكَ شيءٌ).
ففسر الأول: بلازمه من نفي قبلية شيء عليه، فلا شيء تقدمه، فهو الأول ذاتا وصفاتا، كما تقدم في أكثر من موضع.
وفسر الآخر: بلازمه من نفي بعدية شيء له، فآخريته ذاتية مطلقة، وإن كانت آخرية غيره بعد فصل القضاء: أزلية في دار النعيم أو دار العذاب، فإن أزليتها منه مستمدة، فهو، المبقي لمن شاء من خلقه بإمداده بأسباب البقاء سواء أكان بقاء إلى فناء: كبقاء الدار الأولى، فمتى انقطع سبب البقاء: جاء الأجل ففني البدن، أم كان بقاء إلى غير فناء: كبقاء الدار الآخرة بقاء: (يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ).
وهو الظاهر: ظهور ذات وشأن وقهر، فظهوره: علوه، وعلوه ثابت على الوجه اللائق بجلاله: علو ذات وعلو صفات.
وهو الباطن: قد أحاط بكل شيء علما، فبطونه: علمي، فهو الخبير: الذي علم الدقائق والدخائل، فذلك من وصف البطون اللائق بجلاله، فهو أقرب بعلمه إلى الإنسان من حبل الوريد، على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) وهو أقرب إلى الداعي بسمع إجابته على حد قوله تعالى: (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وعليه حمل القرب في حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (أيها الناس، اربَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا! إنكم تدعون
¥