تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سميعًا قريبًا وهو معكم). فالسياق قرينة في إرادة قرب الإجابة، إذ له من كمال السمع على الوجه اللائق بجلاله ما يسمع به أصوات عبيده عموما، مؤمنهم وكافرهم، فذلك من وصف ذاته، وله من كمال السمع ما يجيب به دعاء عابديه خصوصا، فذلك من وصف أفعاله إذ ليس له من العموم ما لسمع الإحاطة.

فله، تبارك وتعالى، من وصف السمع أكمله: سواء أكان ذاتيا عاما أم فعليا خاصا، فنوع الصفة الأعلى ثابت له على حد الكمال المطلق، وأفرادها المندرجة تحته من: سمع الإحاطة أو سمع التأييد أو إجابة دعاء المضطرين ثابتة له على ذات الحد من الكمال المطلق، وهذا أصل في هذا النوع من الأوصاف الذي تتعدد صور كماله الذاتية والفعلية.

يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض بيان أثر التعبد بالاسم الباطن:

"وأَما تعبده باسمه الباطن فأَمر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته، ويكلّ اللسان عن وصفه، وتصطلم الإِشارة إِليه وتجفو العبارة عنه، فإِنه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل مخلصة من فرث التشبيه، منزهة عن رجس الحلول والاتحاد وعبارة مؤدية للمعنى كاشفة عنه، وذوقاً صحيحاً سليماً من أَذواق أهل الانحراف. فمن رزق هذا فهم معنى اسمه الباطن وصح له التعبد به. وسبحان الله كم زلت فى هذا المقام أَقدام وضلت فيه أَفهام، وتكلم فيه الزنديق بلسان الصديق، فاشتبه فيه إِخوان النصارى بالحنفاء المخلصين، لنبو الأَفهام عنه وعزة تخلص الحق من الباطل فيه، والتباس ما فى الذهن بما فى الخارج إِلا على من رزقه الله بصيرة فى الحق، ونوراً يميز به بين الهدى والضلال، وفرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، ورزق مع ذلك اطلاعاً على أَسباب الخطأْ وتفرق الطرق ومثار الغلط، فكان له بصيرة في الحق والباطل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ والله ذو الفضل العظيم". اهـ

ص35، 36.

فالخلط في هذا الباب إنما يقع، كما يقول ابن القيم، رحمه الله، في موضع تال، فرعا عن الخلط بين الحقيقة الخارجية والمثال العلمي، بمنزلة من قال لحبيبه: أنت في قلبي، فاعتقد السامع أنه حال بذاته في قلب محبوبه!، فإن الأول ما أراد إلا المثال العلمي، بينما شطح الثاني لضعف عقله فاعتقد صحة وقوع ذلك خارج الذهن على حد الحقيقة لا الكناية عن شدة المحبة.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض الرد على خلط النصارى بين المثال العلمي والحقيقة الخارجية:

"إن ادعيتم ظهوره، (أي: الرب جل وعلا)، في عيسى كما ظهر في إبراهيم وموسى ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه وكما يظهر في بيوته التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وذلك بظهور نوره ومعرفته وذكر أسمائه وعبادته ونحو ذلك من غير حلول ذاته في البشر ولا اتحاده به فهذا أمر مشترك بين المسيح وغيره فلا اختصاص للمسيح بهذا، (وهذا هو المثال العلمي الذي خلطوا بينه وبين الحقيقة الخارجية فنقلوه إلى خارج الذهن بحذافيره وهو مجرد مثل مضروب على حد ما تقدم من حلول الحبيب في قلب محبوبه كناية عن شدة تعلقه به)، وهذا أيضا قد يسمى حلولا وعندهم أن الله يحل في الصالحين وهذا مذكور عندهم في بعض الكتب الإلهية كما في كتبهم في المزمور الرابع من الزبور يقول داود عليه السلام في مناجاته لربه: (وليفرح المتوكلون عليك إلى الأبد ويبتهجون وتحل فيهم ويفتخرون) فأخبر أنه يحل في الصالحين المذكورين فعلم أن هذا لا اختصاص للمسيح به وليس المراد بهذا باتفاقهم واتفاق المسلمين أن ذات الله نفسه تتحد بالبشر ويصير اللاهوت والناسوت كالنار والحديد والماء واللبن ونحو ذلك مما يمثلون به الاتحاد بل هذا يراد به حلول الإيمان به ومعرفته ومحبته وذكره وعبادته ونوره وهداه.

وقد يعبر عن ذلك بحلول المثال العلمي كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} وقال تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ}، {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.

فهو سبحانه له المثل الأعلى في قلوب أهل السماوات وأهل الأرض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير