تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا قربه من داعيه وذاكره، يعنى فأي حاجة بكم إِلى رفع الأَصوات وهو لقربه يسمعها وإِن خفضت، كما يسمعها إِذا رفعت، فإِنه سميع قريب. وهذا القرب هو من لوازم المحبة فكلما كان الحب أَعظم كان القرب أَكثر، وقد استولت محبة المحبوب على قلب محبه بحيث يفنى بها عن غيرها، ويغلب محبوبه على قلبه حتى كأنه يراه ويشاهده إن لم يكن عنده معرفه صحيحة بالله وما يجب له و يستحيل عليه وإِلا طرق باب الحلول إن لم يلجه، وسببه ضعف تمييزه وقوة سلطان المحبة، واستيلاءُ المحبوب على قلبه بحيث يغيب عن ملاحظة سواه، وفى مثل هذه الحال يقول: سبحاني، أَو: ما فى الجبة إِلا الله. ونحو هذا من الشطحات التى نهايتها أَن يغفر له ويعذر لسكره وعدم تمييزه فى تلك الحال". اهـ بتصرف

ص36، 37.

فذلك إنما أتي من قبل ضعف المحل الذي وردت عليه تلك المعاني الجليلات، فلم يتصور منها إلا أوصاف الحلول والاتحاد، كحال كثير من أتباع الديانات الوثنية التي لا تؤمن إلا بإله تراه!، فله صورة أرضية ناسوتية أو حتى حيوانية!، تحل فيها الصورة الإلهية، فهي الواسطة بين الرب والعبد، فلا حاجة إلى النبوة على هذا الحد!، إذ الرب قد خاطب العبد مباشرة بلا واسطة، على طريقة غلاة المشايخ من أهل الطريق!، ولكل أمة صورة يحل فيها المعبود، ولا ضير من تكرار حلوله فيستبدل الصورة الأرضية الفانية بثانية، والثانية بثالثة، على حد التناسخ، وذلك ضلال في العمل عظيم إنما نشأ عن ضلال التصور العلمي الأول، إذ لم تحتمل تلك القلوب والعقول تلك المعاني الربانية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فأصيب أصحابها بنوع من الوله أو الخبل!. فذلك أقصى ما يعتذر به عنهم، ولك أن تتخيل فساد مقالة لا ينجو صاحبها من تبعتها إلا إذا كان مجنونا فاقد العقل، فوصف الجنون في حقه قد صار: وصف مدح إذ به يعتذر عنه!.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" في معرض بيان غلط أولئك:

"ولذلك غلط بعض الفلاسفة حتى ظنوا أن ذات المعلوم المعقول يتحد بالعالم العاقل فجعلوا المعقول والعقل والعاقل شيئا واحدا ولم يميزوا بين حلول مثال المعلوم وبين حلول ذاته وهذا يكون لضعف العقل وقوة سلطان المحبة والمعرفة فيغيب الإنسان بمعبوده عن عبادته وبمحبوبه عن محبته وبمشهوده عن شهادته وبمعروفه عن معرفته فيفنى من لم يكن عن شهود العبد لا أنه نفسه يعدم ويفنى في من لم يزل في شهوده ومن هذا المقام إذا غلط قد يقول مثل ما يحكى عن أبي يزيد البسطامي: سبحاني أو ما في الجبة إلا الله وفي هذا تذكر حكاية وهو أن شخصا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه في ماء فألقى المحب نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فلم وقعت أنت فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني فهذا العبد المحب لما استولى على قلبه سلطان المحبة صار قلبه مستغرقا في محبوبه لا يشهد قلبه غير ما في قلبه وغاب عن شهود نفسه وأفعاله فظن أنه هو نفس المحبوب وهذا أهون من أن يظن أن ذات المحبوب نفسه". اهـ

"الجواب الصحيح"، (2/ 200، 201).

وذلك فرقان مبين بين الصدر الأول، رضي الله عنهم، ومن أتى بعدهم من المتزهدة والمتعبدة على غير رسم النبوة، فالأولون كان عندهم من وارد المحبة والإرادة العملية ما تطير به قلوبهم شوقا إلى الله، عز وجل، وكان عندهم من قيد كمال العقل والعلم ما تثبت به أقدامهم على أرض التوحيد الخالص: توحيد النبوات الصحيح لا توحيد أهل الحلول والاتحاد الذين جعلوا التوحيد: وحدة أعيان، وفرع عنها من فرع من الغلاة: وحدة الأديان، فلما صار المعبود واحدا عند الكل مع اختلاف الحقائق الخارجية، فليس سواء إله المسلمين الموصوف في كتابهم بنعوت الجلال والجمال، وإله أهل الكتاب الموصوف بالصلب والموتان، وإله الهندوس الحال في بقرة عجماء ....... إلخ، لما صار المعبود واحدا إذ الكل من عين واحدة!، لم تبق حاجة إلى الإنكار على أصحاب الملل والنحل، ولو كانت ناقضة لتوحيد الرسل نقضا، فلكل طريقته في التأله للمعبود العالمي! الذي حل في كل موجود، وليس لضلال بني آدم، كما يقول بعض الفضلاء حد!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير