تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمدار هذه الأَسماءِ الأَربعة على الإحاطة وهى إحاطتان زمانية ومكانية فأحاطت أَوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إِلى أَوليته وكل آخر انتهى إِلى آخريته فأَحاطت أَوليته وآخريته بالأَوائل والأَواخر، وأَحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إِلا والله دونه وما من أول إلا والله قبله وما من آخر إلا والله بعده فالأَول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه. فسبق كل شيء بأَوليته وبقى بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه فلا تواري منه سماء سماء ولا أرض أرضا، ولا يحجب عنه ظاهر باطنا بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية.

فهذه الأَسماءُ الأَربعة تشتمل على أَركان التوحيد، فهو الأَول فى آخريته والآخر فى أَوليته، والظاهر فى بطونه والباطن فى ظهوره، لم يزل أَولاً وآخراً وظاهراً وباطناً". اهـ

بتصرف من: ص38.

فأولية الله، عز وجل، مطلقة، إذ له الكمال المطلق، فلا تحد صفاته بحد عقلي جامع، إذ كيف يحيط عقل المخلوق الناقص بوصف الرب الكامل، بخلاف أولية العبد فإنها مقيدة فهو تال لأوائل سبقته وكل أول منها قد سبق بأول ........ إلخ، حتى ترجع جميعها إلى أول مطلق لم يتقدمه شيء، فعن كلماته التكوينيات صدرت صدور: (كُنْ فَيَكُونُ)، إذ التسلسل في المؤثرين ممتنع، فوجب رجوع الأوائل المقيدة إلى أول مطلق هو الله عز وجل.

ومن حهة أخرى: أولية العبد مسبوقة بعدم، فلم يكن في الخارج شيئا مذكورا، وإن كان في الأزل عند الله، عز وجل، مكتوبا، فقد علم الله، عز وجل، كينونة ذاته وكينونة صفاته وكينونة أفعاله، قبل أن يوجده، فقدر له السعادة أو الشقاء أزلا، بمقتضى قدرته النافذة وحكمته البالغة، فمن وفقه فبفضله، ومن خذله فبعدله، والحكمة في الحالين متحققة، فهداية صديق الأمة، رضي الله عنه، إلى تصديق الرسالة، وهداية فرعون الأمة إلى تكذيبها على حد قوله تعالى: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)، فالهداية في سياق الضلال من باب الاستعارة التهكمية، هدايتهما إلى ذلك: عين الحكمة، إذ الله، عز وجل، بمحال الهداية والضلال أعلم، فمن النفوس ما تقبل الهداية فيكون إضلالها: على غير سنن الحكمة، إذ يلزم منه انتفاء العلم بأوصافها الطيبة التي تليق بها الهداية، ومن النفوس ما تقبل الضلالة فتكون هدايتها: على غير سنن الحكمة، إذ يلزم منه انتفاء العلم بأوصافها الخبيثة التي تليق بها الضلالة.

فالحكمة والعلم متلازمان، إذ لا تكون الحكمة إلا بعد العلم بالشيء، ذاتا وصفاتا، فيأتي الحكم موافقا ملائما لحال ذلك المعلوم، ولله المثل الأعلى.

وأما آخريته:

فهي آخرية مطلقة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فكل آخرية منه مستمدة، فهو الذي أمد من شاء في قوله: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)، بالنجاة من الصعق، وهو الذي أمد سكان الدارين بأسباب البقاء، على حد قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ): فالمشيئة احترازا من خروج شيء من كونه عن حد قدرته، فهو الفعال لما يريد على حد الديمومة والإطلاق فلم يكن عن فعل كماله ابتداء معطلا فتلك أوليته، ولا يصير عنه في الأبد مجردا فتلك آخريته، أو هي في حق عصاة الموحدين: بشرى نجاة، فإذا شاء الرب، جل وعلا، أخرجهم بمشيئته من حر النيران إلى برد الجنان، فعطاؤهم: غير مجذوذ، فلا آخرية له إذ هو من الآخر صادر، وعذاب الآخرين: عذاب الخلد، فلا انقطاع له، أيضا، ما دامت السماوات والأرض، على ما اطرد في كلام العرب من تعليق بقاء الشيء على حد التأبيد مبالغة ببقاء السماوات والأرض، أو هي سماوات وأرض أخرى،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير