على حد قوله تعالى: (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، فلا تفنى.
فمعنى الآخرية المطلقة ثابت له، جل وعلا، على جميع الأقوال، ومعنى الآخرية لتلك الكائنات ثابت على وجه الاستمداد منه.
فتقدمه على خلقه: تقدم مطلق بذاته وصفاته، فالأولية للذات: إذ كان الله ولم يكن قبله شيء، والأولية للصفات: إذ لها من الكمال المطلق ما ليس لغيرها، فحكمته قبل كل حكمة، ورحمته قبل كل رحمة .......... إلخ، فهذا وصف مطرد في كل أوصاف كماله، عز وجل، ويلتحق بالأولية صفات كالعظمة والسعة، فهو العظيم ذاتا وأوصافا، وهو الواسع: ذاتا وأوصافا، فلا يحد ذاته عقل أو بصر، وإن رأته الأبصار على حد التنعم، فتلك رؤية لا إدراك فيها للمرئي، وهو الواسع أوصافا: فرحمته وسعت كل شيء، وحكمته وسعت كل أمر وعلى هذا فَسِرْ في وصف الرب، جل وعلا، فأثبت له الكمال المطلق على كيف لا يحده العقل، وقدر يخرج عن نطاق الحس.
وظهوره جل وعلا:
ظهور مطلق فيلزم منه، كما تقدم، العلو بجميع أنواعه: علو الذات وعلو الصفات، علو الذات والشأن والقهر، يقول ابن الأثير، رحمه الله، في "النهاية في غريب الأثر":
" [الظاهِرُ] هو الذي ظَهَر فوقَ كلِّ شيء وعَلاَ عليه. وقيل: هو الذي عُرِف بطُرُق الاسْتِدْلال العَقْلي بما ظَهَر لهم من آثارِ أفعاله وأوصافهِ "
فهو ظاهر بذاته، ظاهر بما أقامه من الأدلة الكونية على كمال ربوبيته المقتضية لكمال ألوهيته، وهو المظهر المعين لغيره، فذلك من أوصاف فعله.
فيعين المؤمن والكافر بإعانته الكونية، إذ يسر أسباب البقاء لكليهما، على حد قوله تعالى: (من الثمرات).
ويختص المؤمن بإعانته الشرعية، فضلا منه وامتنانا، لسبق علمه بصلاح قلبه لقبول آثار رحمة الوحي الشرعي، فاختص، كما تقدم، أبا بكر، رضي الله عنه، بمعونة خاصة حجبها عن أبي جهل إذ ليس لها بأهل.
لمزيد بيان راجع: "أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة"، ص309 وما بعدها.
وهو الباطن: قد احتجبت ذاته القدسية عن أبصار عباده، فلا تراه في دار الابتلاء، ولا تحده في دار النعيم، وهو الباطن قد أحاط بخلقه علما، بل هو الخبير الذي أحاط بدقائق أعيان وأفعال خلقه، فلا يحيطون به، وهو بهم محيط.
وعن التعبد بهذه الأسماء يقول ابن القيم رحمه الله:
"والتعبد بهذه الأَسماءِ رتبتان:
الرتبة الأولى: أَن تشهد الأَولية منه تعالى فى كل شيء والآخرية بعد كل شيء والعلو والفوقية فوق كل شيء والقرب والدنو دون كل شيء، فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب، والرب جل جلاله ليس دونه شيء أَقرب إِلى الخلق منه.
والمرتبة الثانية: من التعبد أَن يعامل كل اسم بمقتضاه". اهـ بتصرف
ص38.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 09 - 2009, 09:10 ص]ـ
ثم انتقل ابن القيم، رحمه الله، إلى الكلام عن مقام: "الحي القيوم ":
فالفقر إليه: فقر ربوبية، إذ هو الحي القيوم، فله كمال الحياة فذلك من: وصف الذات، وله كمال الإحياء فأوجد وأعد وأمد على أكمل وصف، فذلك من: وصف الفعل.
وهو القيوم: القائم بنفسه فلا يفتقر إلى الأسباب، فذلك من: وصف الذات، وهو المقيم لغيره بأسباب الإيجاد والبقاء فذلك من: وصف الفعل.
فالحياة: أصل صفات الذات الربانية، وأصل إيجاد الكائنات العلوية والسفلية، إذ بكلمة الإحياء التكوينية خرجوا من العدم إلى الوجود.
والقيومية: أصل صفات الأفعال الربانية، وأصل بقاء الكائنات العلوية والسفلية، إذ بإجراء أسباب البقاء، ولا يكون ذلك إلا بالقدرة والحكمة والعلم السابق في الأزل، بإجراء تلك الأسباب قامت ذواتهم وصلحت أحوالهم، فقضاء الله، عز وجل، فيهم نافذ، وهو خير وإن كان المقدور شرا باعتبار حاله، فمآله لمن اتقى وصبر: الفرج العاجل والثواب الآجل، على حد قول يوسف الصديق عليه السلام: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
¥