تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بأنها من عند الله، على حد قوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، فلا تعارض بينها وبين قوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، فهي: منك إذ قصرت في التزام القدر الشرعي، وأنا كتبتها عليك، بالقدر الكوني، فالجهة منفكة بين نوعي الأمر: الكوني النافذ المتعلق بقدرة الرب، جل وعلا، والشرعي الحاكم المتعلق بحكمة الرب، جل وعلا، فذلك مما يتصور عدم وقوعه، فإذا فعله العبد بإرادته التي ركبها الله، عز وجل، فيه على حد الاختيار الذي لا يخرج عن دائرة الإرادة الكونية العامة، إذا فعله بتلك الإرادة مختارا غير مجبور، فقد وافق الأمرين: الشرعي الذي به أنيط التكليف: متعلق الثواب والعقاب، و: الكوني، إذ قد علم الله، عز وجل، أزلا، فكتب عنده في أم الكتاب أن زيدا من البشر، أهل لامتثال الأمر الشرعي، فهو محل قابل لآثار الوحي، فاقتضت الحكمة الإلهية، الشطر الثاني من هذه المتلازمة العقلية: متلازمة القدر والشرع، اقتضت أن يسدده، فيوفقه إلى فعل الطاعة بتيسير أسبابها فضلا منه، جل وعلا، وامتنانا، على حد قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، وإذا خالفه بتلك الإرادة البشرية المخلوقة للرب، جل وعلا، الذي له الإرادة الربانية الخالقة لأعيان المكلفين وإراداتهم وقوى الفعل فيهم وأفعالهم خيرها وشرها فهي، كما تقدم، إرادة عامة لا تخرج عن حدها ذرة من ذرات هذا الكون، إذا خالف العبد الأمر الشرعي الحاكم بتلك الإرادة: فقد خالف القدر الشرعي الحاكم، ووافق الأمر الكوني النافذ، فلا خروج له عنه في كل حال سواء أكان مطيعا أم عاصيا، فهو على النقيض من الأول: إذ قد علم الله، عز وجل، أزلا، فكتب عنده في أم الكتاب أنه ليس أهلا لامتثال الأمر الشرعي، فمحله غير قابل لآثار الوحي، فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يسدده، فخذل بحجب أسباب الطاعة وتيسير أسباب المعصية عدلا منه، جل وعلا، وحكمة، على حد قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، إذ لا يحسن بالحكيم أن يضع الشيء في غير محله، فيهب أسباب الهداية الكونية لأبي جهل!، وإن كان داخلا تحت خطاب التكليف بالهداية الشرعية على حد الإلزام، فإذا كان وضع الشيء في غير محله، وهبة الفضل لغير أهله، وبذل المعروف لمن لا يستحفه، إذا كان ذلك في حق المخلوق: سفها يتنزه عنه آحاد الحكماء من البشر، مع ما يعتريهم من نقص وخطأ، أفلا يكون الباري، عز وجل، وله كمال الحكمة البالغة على حد الإطلاق فلا يعتريه ما يعتري البشر من عوارض النقص، أفلا يكون أولى بذلك التنزيه، على حد قياس الأولى، فهو في هذا الموضع: قياس صحيح بل واجب، إذ وصف الحكمة كمال مطلق: قد ورد به التنزيل، فإذا ثبت في حق البشر الناقص فثبوته في حق الخالق الكامل كائن من أولي، على حد قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

فمناط المسألة: شهود الحقيقتين: الكونية التي بها تقع المقدورات الكونية، والشرعية التي بها تكون التكليفات الشرعية، فالتسوية بينهما ذريعة إلى القول بالجبر، فيصير الأمر الكوني بمفسدة شاء الله، عز وجل، وقوعها، لحكمة تربو على مفسدة وجودها، فهو من المراد لغيره إذ به تستخرج عبوديات ومحاب للرب، جل وعلا، تفوقه، يصير: أمرا شرعيا بمحبوب مرادٍ لله، عز وجل، لذاته!، فالكفر والإيمان على هذا النظر الفاسد: يستويان!، إذ كلاهما للرب جل وعلا مراد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير