تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 09 - 2009, 07:48 ص]ـ

ثم انتقل ابن القيم، رحمه الله، إلى بيان معنى دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأعوذ بك منك)، فقال:

"ومن عرف قوله صلى الله عليه وسلم: "وأَعُوذ بك منك"، وقام بهذه المعرفة شهوداً وذوقاً، وأَعطاها حقها من العبودية، فهو الفقير حقاً، ومدار الفقر الصحيح على هذه الكلمة، فمن زرق فهم سر هذا فهم سر الفقر المحمدي، فهو سبحانه الذي ينجي من قضائه بقضائه، وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه، وهو الذى يدفع ما منه بما منه، فالخلق كله له، والأَمر كله له والحكم كله له، وما شاءَ كان وما لم يشأْ لم يكن، وما شاءَ لم يستطع أَن يصرفه إِلا مشيئته، وما لم يشأْ لم يمكن أَن يجلبه إِلا مشيئته". اهـ

ص43.

فالعاقل من رد القدر بالقدر، فاستعان بأسباب الكون على دفع عوارض فقر الأبدان، فدفع الجوع بالطعام، ودفع الظمأ بالشراب .............. إلخ.

واستعان بأسباب الشرع على دفع عوارض فقر الأديان، فدفع شؤم المعصية بالتوبة، ودفع عدوان أعداء الرسالات، برفع رايات التوحيد: حجة وبرهانا في ساحات عراك الأديان، وسيفا وسنانا في ساحات عراك الأبدان، ولكل مقام مقال.

فأعوذ بقدرك الشرعي: توبة وطاعة تفضلت بهما علي فذلك من تمام إحسانك، لدفع قدرك الكوني: معصية اكتسبتها بما قدمت يداي فذلك من إساءتي، فظني بك خير نازل وإن كان شري إليك صاعد. وإحسان الظن بالرب، جل وعلا، مظنة سعة الأرزاق الكونية والشرعية.

ويقول رحمه في موضع تال:

"فلا يأتي بالحسنات إِلا هو، ولا يذهب بالسيئات إِلا هو، ولا يهدي لأَحسن الأَعمال والأَخلاق إِلا هو، ولا يصرف سيئها إِلا هو: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] ". اهـ

ص43.

فلا يأتي بالحسنات إلا أنت سواء أكانت شرعية، وهي أشرفها، فلا حول عن المعصية إلى الطاعة، عن البطالة إلى العمالة، ولا قوة على فعل الطاعة والإقلاع عن المعصية إلا بك، أم كونية، فكل حسنة كونية من رزق أو ولد أو جاه ....... إلخ منك، فذينك الجنسين من الحسنات من عندك تفضلا وعناية، فلا راد لفضلك، ولو اجتمع أهل الأرض على دفعه، إذ قدرك فيهم نافذ، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، سواء أكانت شرعية فتذهبها بالتوبة، إذ يسرت أسبابها، أم كونية توقعها عدلا، فتطهر بها من الرجس، وترفعها فضلا، فهي خير للعبد حال وقوعها الحالي، خير له حال رفعها الآتي، ولا محالة، إذ الشدة بتراء لا دوام لها، فكم عافيت فوجبت لك عبودية الشكر على وصف جمالك، فأردت أن تبتلي لتظهر حكمتك الكونية، بتباين الأحوال: صحة ومرضا، غنى وفقرا، فذلك من أثر ربوبيتك العامة، فبالبلاء استخرجت عبودية الصبر على وصف جلالك، فوجب لك من معاني الربوبية: طلاقة القدرة بتنويع أقدارك في عبادك، ووجب لك من أوصافها: وصف الجمال الذي تكون به النعمة فضلا فلك الشكر على نعمائك، ووصف الجلال الذي يكون به الابتلاء عدلا فلك الحمد على ابتلائك.

والأصل في ذلك آيتا النساء: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير