تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 09 - 2009, 08:15 ص]ـ

ثم تطرق ابن القيم، رحمه الله، إلى خطأ بعض السائرين من أهل الطريق إذ وقفوا على حد الحقيقة الكونية ولم يشهدوا الحقيقة الشرعية، فكان فناؤهم: شهوديا، لا شرعيا، وشط بعضهم فكان فناؤه: وجوديا، أوقعه في الحلول والاتحاد، على طريقة ضلال الأمم من متزهدة الهند ورهبان النصارى وغلاة المنتسبين إلى القبلة وزنادقة المقالات الحادثة كمقالة البهائية التي أطلت برأسها في الآونة الأخيرة، فهي على وزان مقالة النصارى في المسيح عليه السلام، مع اختلاف العين التي حل فيها الإله، فالنصارى قالوا بحلوله في المسيح عليه السلام، والبهائية أحلوه في المدعو زورا بـ: "البهاء"، وهو بأوصاف القبح أليق.

قال ابن القيم رحمه الله:

"وقد ظن كثير من الصوفية أَن التوحيد الخاص أَن يشهد العبد المحرك له ويغيب عن المتحرك وعن الحركة فيغيب بشهوده عن حركته، ويشهد نفسه شبحاً فانياً يجرى على تصاريف المشيئة، كمن غرق فى البحر فأَمواجه ترفعه طوراً وتخفضه طوراً، فهو غائب بها عن ملاحظة حركته فى نفسه، بل قد اندرجت حركته في ضمن حركة الموج وكأَنه لا حركة له بالحقيقة، وهذا وإِن ظنه كثير من القوم غاية، وظنه بعضهم لازماً من لوازم التوحيد فالصواب أَن من ورائه ما هو أَجل منه، وغاية هذا الفناءِ فى توحيد الربوبية، وهو أَن لا يشهد رباً وخالقاً ومدبراً إِلا الله، وهذا هو الحق، ولكن توحيد الربوبية وحده لا يكفى في النجاة فضلاً عن أَن يكون شهوده والفناءُ فيه هو غاية الموحدين ونهاية مطلبهم، فالغاية التى لا غاية وراءَها ولا نهاية بعدها الفناءُ في توحيد الإلهية وهو أَن يفنى بمحبة ربه عن محبة كل ما سواه، وبتأَلهه عن تأَله ما سواه، وبالشوق إِليه وإِلى لقائه عن الشوق إِلى ما سواه، وبالذل والفقر له والفقر إِليه من جهة كونه معبوده وإِلهه ومحبوبه عن الذل إِلى كل ما سواه، وكذلك يفنى بخوفه ورجائه عن خوف ما سواه ورجائه، فيرى أَنه ليس فى الوجود ما يصلح له ذلك إِلا الله، ثم يتصف بذلك حاله وينصبغ به قلبه صبغة ثم يفنى بذلك عما سواه". اهـ

ص44، 45.

فالفناء المراد شرعا: فناء الألوهية، فيفنى بالطاعات مراد الرب، جل وعلا، عن المعاصي مراد نفسه الأمارة بالسوء.

وفناء بعض خيار أهل الطريق كان وقوفا على حقيقة الربوبية التي فنوا فيها، فأوقعهم ذلك في نوع جفاء في حق الأسباب المشهودة إذ شغلوا عنها بمطالعة مقام مسبِّبها ومجريها، جل وعلا، وفق سننه الكونية المحكمة، فلم يعطوا سننه الشرعية حقها، مع أن الفناء في تحصيلها، وهو الفناء الديني الشرعي: فناء الألوهية، هو المراد لذاته، بخلاف فناء الربوبية بمطالعة السنن الكونية فهو غير مراد لذاته، وإنما قد يعرض للسالك، فلا يمدح بذلك، إذ لم يكن ذلك من طريقة الرسل عليهم السلام أصحاب الشرائع التي قامت على الأسباب: شرعية كانت أو كونية.

وأما فناء أهل الاتحاد فهو شعبة من اتحاد النصارى، بل هو أفحش، إذ غابت عقولهم، فغلوا في الحقيقة الكونية وجفوا في الحقيقة الشرعية، حتى أسقطوا الأسباب، وأبطلوا الشرائع، وجعلوا الخالق عين المخلوق، فهو حال أو متحد بكل كائن، وإن سفل، فتلك وحدتهم في مقابل توحيد الرسل عليهم السلام، وتلك شرعتهم الإباحية في مقابل شرائع الرسل الإلهية.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى":

"وَالْفَنَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

فَنَاءٌ عَنْ وُجُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ شُهُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ عِبَادَةِ السِّوَى. فَالْأَوَّلُ: هُوَ فَنَاءُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمَلَاحِدَةِ كَمَا فَسَّرُوا بِهِ كَلَامَ الْحَلَّاجِ - وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْوُجُودَ وُجُودًا وَاحِدًا -.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير