تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النافعة)، فرض متعين مدة أَنفاس الحياة.

وتنقضي الحرب محموداً عواقبها ******* للصابرين، وحظ الهارب الندم

وخلع على الجوارح خلع الخشوع والوقار، وعلى الوجه خلعة المهابة والنور والبهاءِ، وعلى اللسان خلعة الصدق والقول السديد الثابت والحكمة النافعة، وعلى العين خلعة الاعتبار فى النظر والغض عن المحارم، وعلى الأُذن خلعة استماع النصيحة واستماع القول النافع استماعُه للعبد فى معاشه ومعاده، وعلى اليدين والرجلين خلعة البطش فى الطاعات أَين كانت بقوة وأَيد، وعلى الفرج خلعة العفة والحفظ. فغدا العبد وراح يرفل فى هذه الخلع ويجر لها فى الناس أَذيالاً وأَردانا"

بتصرف من: ص49، ص50.

فهما متلازمان عقلا، إذ صلاح الظاهر مئنة من صلاح الباطن، مع أن الظاهر قد تبدو عليه أمارات الصلاح نفاقا أو رياء، ولكن مآل المتشبع بما لم يعطه إلى افتضاح، ومكنون القلب يظهر في فلتات اللسان، على حد قوله تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).

وصلاح الباطن مئنة من صلاح الظاهر، فذلك أقوى دلالة، إذ دلالة الظاهر على الباطن: دلالة مسبَّب على سببه، ودلالة الباطن على الظاهر: دلالة سبب على مسبَّبه، ودلالة السبب على مسبَّبه: دلالة أصل منشيء على فرع ناشئ، وذلك أقوى في الاستدلال بداهة.

والشاهد أن التلازم بينهما وثيق، ولكن صلاح القلب: صلاح للملك، فإذا صلح الآمر صلح المأمور، فصار وزير صدق بسلطان القهر والانقياد، فليست وزارته على حد الولاء المطلق، بل هو ناصح ما كان للقلب هيبة تردعه، فإذا ضعف سلطان القلب على الجوارح، انتفضت ورفعت راية العصيان والخروج، فطاعتها دائرة مع قوة سلطان القلب وجودا وعدما، وقوة سلطان الباطن على الظاهر لا تكون إلا بتعاطيه أسباب التزكية من العلوم النافعة والأعمال القلبية الصالحة المصلحة للمحل، فيكون العقد الأول: صحيحا، فهو مصدق مقر بما جاءت به النبوات من الأخبار السمعية سواء أكانت: إلهيات أم خبريات مغيبة من أحوال دار البرزخ والدار الآخرة وعوالم الملائكة والجان، وأخبار الأمم البائدة، والأمم القادمة .......... إلخ، ويكون العمل الباطن صالحا، فتوكله ورجاؤه واستعانته .... إلخ على الرب، جل وعلا، إذ قد أثبت له من الكمالات المطلقة: جلالا وجمالا، قدرة وحكمة، ما جعله أهلا لأن يعبد ويسأل، فهو أحق معبود وأصدق مسئول، فإذا صلحت الصورة الباطنة: محط نظر الرب، جل وعلا، صلحت الصورة الظاهرة، فجرى الإقرار على اللسان بداهة، ولهج بالذكر الواجب والمستحب، وغضت العين الطرف عن المحارم، فلا تنظر إلا تأملا، على حد قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فيذكرون باللسان، ويتفكرون: نظرا بالعين على حد الجمع والاستقراء، ونظرا بالعقل على حد التحليل والاستنتاج، فيستدلون بأدلة الربوبية المبثوثة في الكون على قضايا الألوهية التي ورد بها الشرع، وأما السمع فهو لا يستمع قصدا إلا للحق، وإن سمع عرضا الباطل، فسمعه: سمع الانتفاع لا سمع الإدراك، فذلك مما يستوي فيه عامة البشر، بل يشركهم فيه كثير من الطير والوحش!، بخلاف سمع الانتفاع فلا يكون إلا للمسددين. ولا تبطش يده إلا انتصارا للنبوات فليس له حظ في نفسه، ولا تخطو قدمه إلا على آثار الأنبياء عليهم السلام، فخطاه إلى محاريب الصلاة وميادين العراك إقامة لشعار الدين، وقل مثل ذلك في كل جارحة وخاطرة إلا ما زل فيه إظهارا لمكان الأنبياء من العصمة، فالحكمة الربانية قد اقتضت العصمة لهم، والخطأ لغيرهم فيستحضر العبد به مقام الجلال إذ قدر الله، عز وجل، عليه تلك الخطيئة بقدرته النافذة، ويستحضر مقام الجمال إذ شرع الله، عز وجل، له أسباب التوية بحكمته البالغة ورحمته الواسعة.

وأما خلعة المهابة، فهي خلعة الأنبياء والصديقين، وانظر إلى هيبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع كونه الرحمة المهداة، في حديث أبي مسعود، رضي الله عنه، عند ابن ماجه، رحمه الله، في "سننه ولفظه: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.

فكان قريبا إلى قلوب أصحابه فله من جمال الوصف ما يؤلف به القلوب، مهابا في قلوبهم فله من جلال الوصف ما ينتظم به أمر الجماعة المسلمة إذ القائد لا ينفك عن هيبة في قلوب أصحابه لئلا ينفرط العقد، فله جمال: "إنما أنا لكم كالوالد لولده أعلمكم وله جلال: "بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، فله جمال يقف به مع المرأة العجوز وتأخذ به الجارية الصغيرة بيده حتى يقضي حاجتها، وله جلال جعل عمرو بن العاص، رضي الله عنه، لا يطيق وصفه إذ ما امتلأت عيناه من محياه هيبة منه.

فهو الضحوك في وجوه المؤمنين القتال لأعداء الرسالات بسيف الشرع الحاسم، بلا قهر أو استبداد.

والجمع بين الأوصاف المتضادة على حد التكامل لا التناقض، خلق أصيل في عظماء البشر من الأنبياء وأتباعهم، إذ تتباين الأحوال بتباين الأوقات، فالحزم له مواضع، واللين له مواضع، والخلط بينهما مظنة اختلال الأمر وانفراط العقد.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير