تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الحكم الكوني الذي لا راد له من الأسباب المقدورة، فإنه مما يتلقى بالرضا والصبر، أو الصبر إن لم تبلغ النفس مقام الرضا، فهو مقام شريف القدر رفيع الدرجة لا يناله إلا آحاد المخلصين. ولا ينفك عن عبوديات دقيقة من مطالعة الحكمة الربانية في ذلك الحكم الكوني النافذ، فهو ذريعة إلى خير أعظم من الشر الكائن في المقدور النازل، وغالبا، ما يذهل العقل والقلب عن تلك العبوديات اللطيفة في أزمنة العافية، فكيف بهما في أزمنة الابتلاء؟!. والله المستعان على الصبر حال نزول البلاء، فهو المستعان في الصبر عليه، وهو المستعان في رفعه إن كان مما يرفع، وهو المستعان على تمام التسليم إن لم يكن للعبد حيلة في رفعه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 09 - 2009, 07:41 ص]ـ

ويقول، رحمه الله، في تعريف الهروي، رحمه الله، غنى النفس بأنه: "استقامتها على المرغوب، وسلامتها من الحظوظ، وبراءتها من المراءاة". اهـ

يقول:

"يريد استقامتها على الأمر الديني الذى يحبه الله ويرضاه، وتجنبها لمناهيه التى يسخطها ويبغضها، وأن تكون هذه الاستقامة على الفعل والترك تعظيما لله سبحانه وأمره، وإيمانا يه، واحتسابا لثوابه، وخشية من عقابه، لا طلبا لتعظيم المخلوقين له ومدحهم، وهربا من ذمهم وازدرائهم، وطلبا للجاه والمنزلة عندهم، فإن هذا دليل على غاية الفقر من الله، والبعد عنه وأنه أفقر شيء إلى المخلوق". اهـ

ص56.

فإن الاستقامة على الأمر: لفظ مجمل، لانقسام معنى الأمر إلى: شرعي وكوني، فالاستقامة على الأمر الشرعي هي مراد الرب، جل وعلا، على حد المحبة والرضا، بخلاف الأمر الكوني فإنه على حد القدرة النافذة التي بها تقع كل المقدورات: خيرها وشرها، فالرب، جل وعلا، يحب بعضها وهو ما وافق أمره الشرعي، ويبغض بعضها وهو ما خالف أمره الشرعي، وإنما أراد وقوعه لحكمة تفوق مفسدته فذلك مئنة من حكمته البالغة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من مناسبة، فذلك الانقسام هو الذي أوقع الإشكال، إذ قد صار ذلك ذريعة لأهل الزندقة والانحلال، فكل مقدورات الرب، جل وعلا، الكونية، ولو كانت شرورا وآثاما، مرادة له شرعا، إذ لو لم يردها شرعا على حد المحبة ما شاء وقوعها، فسوى أولئك بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فجنس الإرادة عندهم واحد فكل ما أراده فقد أحبه، وكل ما شاء تكوينه فقد أراد تشريعه، ولازم هذا القول الجائر: نسبة الفواحش إلى الشرع، وذلك عين الطعن في حكمة الرب، جل وعلا، بزعم إثبات كمال قدرته، فكل ما يقع في الكون إنما يقع بقدره النافذ، وذلك حق، ولكن متعلق القدرة: كل الممكنات، فليس مقصورا على جنس المحبوبات الشرعية لتصح مقالتهم، بل هو شامل لجنس المحبوبات الشرعية وجنس المبغوضات التي تقع بالمشيئة الكونية.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في: "العبودية":

"وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته ويدعي من الخيالات ما لا يتسع هذا الموضع لذكره حتى قد يظن أحدهم سقوط الأمر وتحليل الحرام له وغير ذلك مما فيه مخالفة شريعة الرسول وسنته وطاعته ........... ولهذا كانت محبة هذه الأمة لله أكمل من محبة من قبلها وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم وأكمل هذه الأمة فى ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل فأين هذا من قوم يدعون المحبة.

وفي كلام بعض الشيوخ: المحبة نار تحرق فى القلب ما سوى مراد المحبوب وأرادوا أن الكون كله قد أراد الله وجوده فظنوا أن كمال المحبة أن يحب العبد كل شيء حتى الكفر والفسوق والعصيان ولا يمكن أحدا أن يحب كل موجود بل يحب ما يلائمه وينفعه وببغض ما ينافيه ويضره ولكن استفادوا بهذا الضلال اتباع أهوائهم فهم يحبون ما يهوونه كالصور والرئاسة وفضول المال والبدع المضلة زاعمين أن هذا من محبة الله ومن محبة الله بغض ما ببغضه الله ورسوله وجهاد أهله بالنفس والمال وأصل ضلالهم أن هذا القائل الذي قال إن المحبة نار تحرق ما سوى مراد المحبوب قصد بمراد الله تعالى الإرادة الدينية الشرعية التي هي بمعنى محبته ورضاه فكأنه قال تحرق من القلب ما سوى المحبوب لله وهذا معنى صحيح فإن من تمام الحب أن لا يحب إلا ما يحبه الله فإذا أحببت ما لا يحب كانت المحبة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير