تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ناقصة وأما قضاؤه وقدره فهو يبغضه ويكرهه ويسخطه وينهى عنه فإن لم أوافقه في بغضه وكراهته وسخطه لم أكن محبا له بل محبا لما يبغضه فاتباع الشريعة والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه وبين من يدعي محبة الله ناظرا إلى عموم ربوبيته أو متبعا لبعض البدع المخالفة لشريعته فإن دعوى هذه المحبة لله من جنس دعوى اليهود والنصارى المحبة لله بل قد تكون دعوى هؤلاء شرا من دعوى اليهود والنصارى لما فيهم من النفاق الذين هم به في الدرك الأسفل من النار كما قد تكون دعوى اليهود والنصارى شرا من دعواهم إذا لم يصلوا إلى مثل كفرهم وفي التوراة والإنجيل من محبة الله ما هم متفقون عليه حتى كذلك عندهم أعظم وصايا الناموس.

ففي الإنجيل أن المسيح قال: أعظم وصايا المسيح أن تحب الله بكل قلبك وعقلك ونفسك والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة وأن ما هم فيه أصل الزهد والعبادة ........... وهم برآء من محبة الله إذ لم يتبعوا ما أحبه بل اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم والله يبغض الكافرين ويمقتهم ويلعنهم وهو سبحانه يحب من يحبه لا يمكن أن يكون العبد محبا لله والله تعالى غير محب له بل بقدر محبة العبد لربه يكون حب الله له وإن كان جزاء الله لعبده أعظم كما فى الحديث الصحيح الإلهى عن الله تعالى أنه قال: من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة.

وقد أخبر سبحانه أنه يحب المتقين والمحسنين والصابرين ويحب التوابين ويحب المتطهرين بل هو يحب من فعل ما أمر به من واجب ومستحب كما في الحديث الصحيح: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به الحديث.

وكثير من المخطئين الذين اتبعوا أشياخا فى الزهد والعبادة وقعوا فى بعض ما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك ويتمسكون في الدين الذى يتقربون به إلى الله بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه والحكايات التى لا يعرف صدق قائلها فيجعلون قول متبوعيهم لهم دينا كما جعل النصارى قسيسيهم ورهانهم شارعين لهم دينا ثم إنهم ينتقصون العبودية ويدعون أن الخاصة يتعدونها كما يدعي النصارى فى المسيح ويثبتون للخاصة من المشاركة فى الله من جنس ما تثبته النصارى فى المسيح وأمه إلى أنواع أخر ......... وإنما دين الحق هو تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه وتكمل محبة الرب لعبده وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا وكلما كان في القلب حب لغير الله كانت فيه عبودية لغير الله بحسب ذلك وكلما كان فيه عبودية لغير الله كان فيه حب لغير الله بحسب ذلك وكل محبة لا تكون لله فهى باطلة وكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله ولا يكون لله إلا ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع فكل عمل أريد به غير الله لم يكن لله وكل عمل لا يوافق شرع الله لم يكن لله بل لا يكون لله إلا ما جمع الوصفين: أن يكون لله وأن يكون موافقا لمحبة الله ورسوله وهو الواجب والمستحب كما قال: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ". اهـ بتصرف

وتلك الاستقامة لا تكون محمودة إلا على حد: المتابعة، كما تقدم، والإخلاص، فيتجرد السائر في طريق الهجرتين من حظوظ نفسه، فإذا أعطي رضي، وإذا منع رضي، وإن مدح لم يقعد غرورا، وإذ ذم لم يقعد تخاذلا، فذلك طريق وعر لا يسلكه إلا آحاد البشر، فإن لم يكن للسائر حظ من الإخلاص، وحظ من الأنس بالرب، جل وعلا، يستغني به عن أنس ما سواه، فإنه منقطع لا محالة، إذ كل العلائق بما سواه واهية لا يحصل بها كمال الأنس، وإن حصل نوع لذة عارضة، فسرعان ما تخيم الوحشة عليه بزوال ذلك العارض المؤقت.

ومن طلب الجاه من غير ذي الجاه والسلطان التام، وكل إلى من طلب منه حظ نفسه، وذلك عين الفقر الذي فر منه فوقع فيه! لنقص علمه بأسباب الغنى الحقيقي وفساد إرادته العملية، فنقص العلم ذريعة إلى نقص العمل، كما تقدم مرارا، فلو تضلع من علوم النبوات لاستغنى بأوصاف كمال الرب، جل وعلا، عن أوصاف نقص المربوب الذي يشاركه ماهية الذات والوصف فكلاهما مخلوق حادث، مربوب عائل، الفقر له وصف لازم.

وحصول تلك المعاني الجليلة رافع لحقيقة الفقر ومجازه!، فلا يخشى من تلبس بها فقر البدن، إذ قد تحقق لقلبه تمام الغنى بمن بيده مقاليد الكون إجراء، ومقاليد الشرع إنزالا.

ويقول، رحمه الله، في كلمة جامعة:

"بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة، كما قال تعالى: {إنَّ الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: {إنَّ الله يدافع عن الذِينَ آمنُوا} ". اهـ

ص57.

فبقدر تلبس القلب والبدن بالأمر الشرعي على حد الاغتذاء والاستغناء فلا يجمع بين: الشرع الإلهي النافع وما عداه من الأغذية الخبيثة، إذ قد نهى الحكماء عن إدخال الطعام على الطعام ولو كان كلاهما طيبا فكيف وأحدهما خبيث ضار! بقدر دفع جيوش الشهوات عنه، إذ قد ضيق عليها المجاري، فألزم نفسه الحمية، فصام قلبه عن الشبهات العلمية وصام بدنه عن الشهوات العملية، فلا يفطر إلا على طيب العلوم والأعمال، ولا يكون ذلك إلا من مشكاة الرسل عليهم السلام. فلا ألذ ولا أنفع من غذاء النبوات.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير