تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 09 - 2009, 07:54 ص]ـ

ثم انتقل ابن القيم، رحمه الله، إلى بيان شهود العبد لبعض أوصاف الرب تبارك وتعالى شهودا قلبيا له من الأثر الإيماني العلمي والعملي ما تسموا إليه نفوس أصحاب الهمم الملوكية التي لا ترضى الدون، فليس لها من معالي الرتب الشريفة عوض، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فمن كانت همته أسماء وأوصاف الرب الباقي، جل وعلا، جمع الله، عز وجل، عليه شتات قلبه، فبقي في صلاح حال من العلم والعمل فلا يعتريه فساد، إذ بمادة الصلاح يغتذي، فبقاؤه من بقاء ربه، فهو الباقي في ذاته المبقي لغيره بما قدر من أسباب الكون، وسن من أسباب الشرع، فيبقي الأبدان، كما تقدم مرارا، بخراج الأرض النابت، ويبقي الأرواح بوحي السماء النازل، ومن كانت همته أسماء وأوصاف المربوب الفاني: ضل في بيداء حب ليلى وسلمى، فقلبه معلق بصورة فانية، فمادة إفنائه في تعلقه بها إذ عشق الصور الفانية أعظم أدواء القلوب الحائرة، فهو مادة الفساد في مقابل مادة البقاء التي يستمدها القلب من أسماء وأوصاف الرب، جل وعلا، و: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فالقلب الأجرد لا يشخب فيه إلا ميزاب التوحيد، والقلب الأغلف: لا يشخب فيه إلا ميزاب التعلق بغير الله، عز وجل، على حد التشريك والتنديد، والقلب المصفح المخلط يشخب فيه الميزابان فهو لأيهما غلب، إذ يجتمع فيه الإيمان والكفر اجتماع أصلٍ وشعبٍ، فلا يتصور في المشروع أو المعقول أو المحسوس اجتماع أصلي: الإيمان والكفران، فهما على حد التناقض فلا يجتمعان ولا يرتفعان، وإنما يتصور اجتماع أحدهما وشعب من الآخر على حد: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر). فلم ينتف عنه وصف الإيمان بتلبسه بخصلة من خصال النفاق.

فمما ذكره ابن القيم، رحمه الله، في هذا الباب الجليل: باب شهود أوصاف الرب العلي الكبير:

قوله رحمه الله:

"الدرجة الثانية من درجات الغنى بالله عَزَّ وجَلَّ: دوام شهود أَوَّليته تعالى، وهذا الشهود عند أَرباب السلوك أَعلى مما قبله، والغنى به أَتم من الغنى المذكور، لأَنه من مبادئ الغنى بالحقيقة، لأَن العبد إِذا فتح الله لقلبه شهود أَوليته سبحانه حيث كان ولا شيء غيره، وهو الإِلَه الحق الكامل فى أَسمائه وصفاته، الغني عما سواه، الحميد المجيدُ بذاته قبل أَن يخلق من يحمده ويعبده ويمجده، فهو معبود محمود حي قيوم له الملك وله الحمد فى الأَزل والأَبد، لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال، وكل شيء سواه فإِنما كان به، وهو تعالى بنفسه ليس بغيره فهو القيوم الذى قيام كل شيء به، ولا حاجة به فى قيوميته إِلى غيره بوجه من الوجوه". اهـ

ص59، 60.

فهو سبحانه: الأول في وصفه: أولية مطلقة، فلم يطرأ عليه، كما تقدم مرارا، وصف كمال كان عنه عريا، فهو المحمود بأوصاف الجمال، الممجد بأوصاف الجلال: أزلا، فخالق قادر على الخلق وليس ثم خلق، فذلك حد قولهم: خالق بالقوة الفاعلة، فدوام اتصافه بالفاعلية الاختيارية فلا مكره له ولا ملجئ تعالى ربنا عن وصف الاضطرار والإلجاء، ذلك الدوام أزلا وأبدا: من كمال وصف ذاته العلية، إذ الفاعل أكمل من غير الفاعل، ولله المثل الأعلى، فهو الفعال لما يريد، ومع تلك الطلاقة في القدرة على الإيجاد والتكوين: هو الخبير بدقائق صنعته الحكيم فلا يكون فعله جاريا إلا على سنن الحكمة الربانية العظمى، التي لا تحيط العقول بها دركا، فهي فرع عن ذاته القدسية، فكمالها من كمال الذات، وعجز قوى الإدراك: حسا ومعنى عن إدراك كنهها فرع عن عجزها عن إدراك كنه ذات الباري، عز وجل، وهو مع ذلك: خالق بعد أن خلق بداهة فذلك محل إجماع على حد قولهم: خالق بالفعل، وإنما وقع الخلاف في أولية الوصف الأزلي قبل حصول المقدور في عالم الشهادة، فعطله، جل وعلا، فئامٌ من أهل الاعتزال ومن سار على طريقتهم من أهل الكلام عن وصف ذاته الأزلي، فرارا من القول بقدم العالم المشهود، وليس ذلك بلازم لمن قال بجواز

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير