تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعلم الإلهي المحيط يحمل العبد على حراسة خواطره فضلا عن ظواهره، فإن الخواطر سيالة لا وكاء لها إلا مراقبة الرب، جل وعلا، وهذا أمر يجده كلٌ في نفسه فله من الأماني وأحلام اليقظة مشروعة كانت أو غير مشروعة ما يبدد قواه الذهنية بلا طائل، فتلك، كما يقول ابن القيم، رحمه الله، بضاعة المفلسين. فإذا استحضر العبد مراقبة الرب، جل وعلا، لباطنه وظاهره، على حد الإحاطة بالدقائق واللطائف، وعلم واجب وقته من دين أو دنيا، فاستعان بالرب، جل وعلا، على أدائه، فاستمد من أوصاف كماله ما يحمله على بذل المجهود إرضاء للمحبوب، رغبا في ثوابه ورهبا من عقابه.

ومن تلك المشاهد أيضا:

شهود مقام السمع:

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وكذلك إِذا أشعر قلبه صفة سمعه تبارك وتعالى لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخفائها وسواء عنده من أسرّ القول ومن جهر به لا يشغله جهرُ من جهرَ عن سمعه لصوت من أَسرّ ولا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها بل هى عنده كلها كصوت واحد، كما أن خلق الخلق جميعهم وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة". اهـ

ص61.

فالسمع من لوازم العلم، فكماله من كمال العلم المحيط، فكلاهما وصف كمال مطلق إذ من يعلم خير ممن لا يعلم، ومن يسمع خير ممن لا يسمع، فإذا صح إطلاقهما على العبد على حد المدح، فالرب، جل وعلا، أحق بذلك من باب أولى، إذ الرب أكمل من العبد ذاتا وصفات: بداهة، وهو، من جهة أخرى، خالق ذلك الكمال في عبده، فاتصافه به أيضا: ثابت من باب أولى، إذ واهب الكمال تقضلا متصف به على حد الإطلاق أزلا وأبدا كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

وسمعه، عز وجل، قد تعلق بذاته القدسية: تعلق وصف الذات بالذات في مقام العموم، فيسمع كل الأصوات، فلا يشغله قول عن قول، ولا يخفى عليه سر أو جهر. وذلك بمقام التهديد في نحو قوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ): أليق.

وهو من جهة أخرى قد تعلق بالمشيئته الربانية النافذة: تعلق وصف الفعل بالفاعل في مقام الخصوص، فسمع التأييد:على حد قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، لا يكون إلا لخيار الموحدين من النبيين والصديقين.

وسمع الإجابة لدعاء المتضرعين والمضطرين: على حد سمع التأييد فهو من أوصاف الأفعال من جهة تعلقه بمشيئته الكونية النافذة، فيجيب من يجيب فضلا، ويرد من يرد عدلا.

ومن تلك المشاهد أيضا:

شهود مقام البصر:

"وكذلك إذا شهد معنى اسمه البصير جل جلاله الذى يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى حندس الظلماء، ويرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة ومخها وعروقها ولحمها وحركتها ويرى مد البعوضة جناحها فى ظلمة الليل، وأعطى هذا المشهد حقه من العبودية بحرس حركاتها وسكناتها وتيقن أنها بمرأى منه تبارك وتعالى ومشاهدة لا يغيب عنه منها شيء.

وكذلك إِذا شهد مشهد القيومية الجامع لصفات الأفعال وأنه قائم على كل شيء، وقائم على كل نفس بما كسبت، وأنه تعالى هو القائم بنفسه المقيم لغيره القائم عليه بتدبيره وربوبيته وقهره وإيصال جزاء المحسن إليه وجزاء المسيء إليه وأنه بكمال قيوميته لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يضل ولا ينسى. وهذا المشهد من أرفع مشاهد العارفين، وهو مشهد الربوبية"

ص61.

فبصره: بصر بالذوات و: بصر بالأعمال على حد قوله تعالى: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).

وبصره: بصر حفظ ورعاية على حد قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي).

وبصر تهديد ونكاية على حد قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير