تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكمال الاتصاف بالسمع والبصر من لوازم قيوميته الجامعة لأوصاف الأفعال، فهو الفعال لما يريد على حد الكمال: قدرة وحكمة، وذلك لا يكون بداهة إلا بعلم محيط، والعلم كما تقدم ملزوم السمع والبصر، فلا يتصور عالم أصم أو أعمى، فذلك مما يقدح في علمه، فلا يصلح من هذا وصفه من العجز لتولي منصب الربوبية وما يتفرع عنه من منصب الألوهية، فكمال ألوهيته فرع من كمال ربوبيته، ولذلك عاب الخليل، عليه السلام، على أبيه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، فهو عن وصف الكمال عري، فليس ربا فرعا عن كونه ليس كاملا، كما أن الله، عز وجل، هو الرب فرعا عن كونه كامل الذات والأوصاف على حد الإطلاق ذاتا وصفاتا، فالقياس هنا أيضا: مطرد منعكس.

فإذا تحقق للعبد شهود مقام الربوبية فرعا عما تقدم من مشاهد أوصاف الكمال الذاتية والفعلية، ترقى من تلك المنزلة إلى منزلة أعظم قدرا وأرفع شأنا إذ هي، كما تقدم مرارا، المراد لذاته، فما تقدم من رتبتي شهود توحيد الذات والصفات، وتوحيد الأفعال، مرقاة إلى توحيد العبادة: أشرف المناصب الآدمية، فهو وصف الرسل اللازم، فلا ينفك الرسل وتابعوهم عن وصف الافتقار إلى ربهم: افتقار المختار المنقاد للأمر الشرعي، الخاضع مع غيره من الكائنات للأمر الكوني فاجتمعت فيه الإرادتان: الإرادة الشرعية والإرادة الكونية.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأعلى منه مشهد الإلهية الذى هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاء، وهو شهادة أن لا إله إلا هو وأن إلهية ما سواه باطل ومحال، كما أن ربوبية ما سواه كذلك فلا أحد سواه يستحق أن يؤله ويعبد، ويصلى له ويسجد، ويستحق نهاية الحب مع نهاية الذل لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، فهو المطاع وحده على الحقيقة، والمألوه وحده، وله الحكم وحده، فكل عبودية لغيره باطلة وعناء وضلال، وكل محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكل غنى لغيره فقر وفاقة، وكل عِزِّ بغيره ذل وصغار، وكل تكثر بغيره قلة وذلة، فكما استحال أن يكون للخلق رب غيره فكذلك استحال أن يكون لهم إله غيره، فهو الذى انتهت إليه الرغبات وتوجهت نحوه الطلبات، ويستحيل أن يكون معه إله آخر". اهـ

ص61، 62.

فالتلازم بين الربوبية والألوهية: تلازم وثيق، والتمانع في الألوهية فرع عن التمانع في الربوبية، فكما أنه، جل وعلا، لا رب سواه يخلق الذوات ويدبر الأحوال، فكذلك لا إله معبود مطاع على حد الإطلاق والاختيار إلا هو، فلا إله إلا هو يعبد فرع عن لا رب سواه يدبر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2009, 07:20 ص]ـ

ويقول ابن القيم رحمه الله في معرض بيان معنى الإله:

"فإن الإله على الحقيقة هو الغنى الصمد الكامل فى أسمائه وصفاته الذى حاجة كل أحدٍ إليه ولا حاجة به إلى أحد، وقيام كل شيء به وليس قيامه بغيره، ومن المحال أن يحصل فى الوجود اثنان كذلك". اهـ

ص62.

فغناه وصمديته متلازمان، بل لو فسر الصمد بالغني عن غيره فلا يأكل ولا يشرب، ولا جوف له يفتقر إلى ما يملؤه، لو فسر بذلك، فإن شَفْعَ ذكر الغني بالصمد يكون على حد: ذكر الخاص بعد العام توكيدا، فغناه عام، واستغناؤه عن أسباب البقاء من مطعوم ومشروب: خاص، فهو فرد من أفراد العموم المتقدم، فهو الباقي أزلا وأبدا، كما تقدم في بيان معنى أوليته وآخريته، جل وعلا، على حد الإطلاق فليس قبله شيء وليس بعده شيء، فلا يفتقر إلى أسباب البقاء بل هو المجري لها المبقي لمن شاء من الخلق بها، فكل بقاء فمن إبقائه الفعلي، ولا يكون ذلك إلا فرعا عن بقائه الذاتي، فالبقاء ذاتي، والغنى ذاتي، وكل وصف كمال له ذاتي لا ينفك عن ذاته القدسية، وليس غناه محصورا بداهة في صورة الصمدية، بل هو الغني بعلمه عن علوم خلقه، الغني بسمعه عن سماع غيره ........... إلخ، فذلك وجه اندراج وصف الصمدية الذاتية تحت وصف الغنى الذاتي: اندراج الخاص تحت العام فهو فرد من أفراده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير