تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذلك التلازم بين القيومية والغنى فهو: تلازم وثيق، فلا يتصور غني يفتقر إلى ما يقيم ذاته من الأسباب: افتقار الأبدان إلى ما يقيمها من أسباب المطعوم والمشروب، فالغني: قيوم بذاته، ووصف القيومية أعم من وصف الغنى، كما أن وصف الغنى أعم من وصف الصمدية، على التفصيل المتقدم، إذ الغنى بالذات عن الأسباب: قيومية ذات، كما تقدم، وذلك أحد شقي القيومية، فعمت القيومية من جهة شمولها: قيومية الذات بالغنى، وقيومية الأفعال فذلك قدر زائد على الغنى اللازم هو: الإغناء المتعدي، فهو قائم غني بذاته، مقيم مغن لغيره، وليس ذلك كما يقول ابن القيم، رحمه الله، لأحد سوى الله عز وجل. فإذا ثبت له الكمال الذاتي والوصفي المطلق على حد الانفراد فلا شريك له في كماله ثبت له كمال التأله المطلق على حد الانفراد، فلا شريك له في ألوهيته، فذلك من التمانع المتقدم الذكر، فيستحيل أن يكون لهذا العالم إلهان معبودان كما يستحيل أن يكون له ربان مدبران، فتفرد جنس الألوهية من تفرد جنس الربوبية، فإنه لا قيوم بذاته وأفعاله إلا واحد، وكذلك: لا معبود مألوه بأفعال عباده إلا واحد، وإن زعم أهل الشرك في الربوبية له من الأنداد المستقلة بالتأثير في أحداث الكون ما زعموا، وإن زعم أهل الشرك في الألوهية له من الشركاء في ألوهيته ما زعموا. فالعبد المضطر كونا لا يليق به إن كان كامل العقل صحيح القياس إلا أن يكون عابدا مختارا شرعا. فتتوافق في حقه كلتا الإرادتين: الكونية النافذة والشرعية الحاكمة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولو كان فى الوجود إلهان لفسد نظامه أعظم فساد واختل أعظم اختلال، كما أنه يستحيل أن يكون له فاعلان متساويان كل منهما مستقل بالفعل، فإن استقلالهما ينافى استقلالهما واستقلال أحدهما يمنع ربوبية الآخر فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية، وكذلك وقع الاحتجاج به فى القرآن أكثر مما وقع بغيره، لصحة دلالته وظهورها وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية". اهـ

ص62.

فتعدد الآلهة مظنة فساد نظام الكون بتعدد الأوامر الشرعية، فلكل إله ناموسه، فإذا تعارضت الإرادات وقع النزاع بداهة، وذلك أمر يفسد معه نظام الكون، وانتظام أمره على هذا النسق البديع أعظم دليل في عالم الشهادة على بطلان تعدد الآلهة، وإن زعم المتألهون لمعبوداتهم من الكمال ما زعموا.

ومدار هذا الأمر على آيتين:

الأولى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ):

إذ تفسد المملكة أو الإمارة في عالم الشهادة بتعدد الملوك والأمراء، ولله المثل الأعلى، إذ له من الحكمة والقدرة ما ليس لغيره، فهو أحق موجود بوصف المُلك قدرة والمِلك حكمة وتدبيرا.

والعالم المشهود كما تقدم: خير دليل على وحدة الرب المعبود، جل وعلا، فلذلك جاء التعقيب بتنزيهه، عز وجل، عن مشاركة تلك الآلهة الباطلة، وجاء الوصف بربوبية العرش مؤكدا لذلك، إذ الإضافة فيه على حد: إضافة الرب إلى مربوبه، والعرش أعظم المخلوقات، فإذا كان مع عظمه مربوبا لله، عز وجل، أفلا تكون تلك الآلهة مع نقص أعيانها وأوصافها مربوبة له، جل وعلا، من باب أولى؟!، فذلك من القياس الأولوي الصحيح الذي يلح على العقول الصريحة لتوحد الإله بأفعال التكليف فرعا عن توحده بأفعال التدبير والتكوين. وحذف ما يدل على إبطال ألوهية تلك المعبودات لدلالة السياق عليه اقتضاء، فالشرع والعقل والحس شاهد بذلك: فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، ولكن لم توجد تلك الآلهة فصلح أمر الدين والدنيا بوحدة الرب الخالق والإله الشارع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير