تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن ظن المفسدة فيه، أو يدخر له في دار الجزاء إن صبر ورضي بالحرمان، مع استفراغه أسباب الشرع والكون في كل حال، فلا يعطل الشرع بالقدر، ولا يعلق الأمر على محض السبب، فهو الجامع بين: الإيمان بالقدر والعمل بالشرع، تلك الثنائية التي يصلح بها أمر الدارين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 09 - 2009, 08:38 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وسئل رويم عن الفقر فقال: إِرسال النفس فى أَحكام الله تعالى. قلت، (أي: ابن القيم رحمه الله): إِن أَراد الحكم الديني فصحيح، أو إِن أَراد الحكم الكوني القدري فلا يصح هذا الإِطلاق بل لا بد فيه من التفصيل كما تقدم بيانه. وإِرسال النفس في أَحكامه التي يسخطها ويبغضها، وإِرسالها فى أَحكامه التي يجب منازعتها ومدافعتها بأَحكامه خروج عن العبودية"

ص65.

فإرسال النفس في أحكام الله، لفظ مجمل، على حد قول القائل: لا أريد إلا ما أراد، أو: إرادتي تابعة لإرادته فما أراده فهو مرادي، فإن ذلك الإطلاق، كما تقدم في أكثر من مناسبة، يفتح الباب للاحتجاج بالقدر الكوني على مخالفة القدر الشرعي، فقائله قد يريد به: أن إرادته تبع لإرادة الرب، جل وعلا، الشرعية، التي تتعلق بها مراضيه ومحبوباته من أجناس الطاعة، وقد يريد: أن إرادته تبع لإرادة الرب، جل وعلا، الكونية، والكون كله مراده بما فيه من المعاصي والآثام فأي شيء يكره من ذلك وهو من مرادات الرب، جل وعلا؟!، ومراده، عند هؤلاء، لا يكون إلا محبوبا مرضيا، فمجرد وقوعه دليل كونه محبوبا، وذلك من جراء عدم التفريق بين إرادة الشرع التي يتعلق بها التكليف، وإرادة الكون التي يتعلق بها جنس المفعولات عامة سواء أكانت محبوبة مرضية، أم مكروهة مسخوطة.

وإرسال النفس في أحكام الكون بلا تمييز بين ما يجب التسليم له، من الأقدار النافذة على حد المصائب التي لا يملك العبد لها رفعا، فهي مما أبرم من الأزل، وما يجب مدافعته من القدر الكوني الذي شرعت له أسباب ترفعه، وما يجب التزامه من الأحكام الشرعية على حد الابتلاء بالتكليف، إرسال النفس في هذه الأحكام دون تمييز لواجب الوقت في كلٍ، تسوية بين مختلفات، فليس سواء محبوب الرب، جل وعلا، ومكروهه، وإلا بطل التكليف الدائر على أحكام متباينة تبعا لتباين الأفعال، فمنها: محرم ومكروه فذلك مطلوب الترك لكونه مبغوضا شرعا وإن وقع جنسه كونا لحكمة كونية تفوق مفسدة وقوعه فبه ينتهك أمر الشرع، وذلك مفسدة تجب مدافعتها قدر الاستطاعة، إن كانت مما يدفع، ولذلك شرع الجهاد بأمر شرعي رافع لأثر الأمر الكوني باستباحة دار الإسلام، فاستخرج بذلك من حِكَم سنة المدافعة وعبوديات المنافحة عن الملة ما يفوق مفسدة استباحة المحلة، فليس الخير فيه خالصا كالحكم الشرعي، إذ هو منطو على مفاسد عاجلة لا ترفع إلا بالتزام السنة الشرعية فالاستسلام له مع القدرة على رفعه بحجة إرسال النفس في أحكام الرب، جل وعلا، نقص في العقل وقدح في الشرع، ولقائله أن يمتنع عن مباشرة سبب الطعام والشراب إذا أصابه الجوع أو العطش، إذ هو في حكم الله، عز وجل، مرسل، لا إرادة له يوقع بها أفعاله على حد الاختيار فذلك قول مناف للشرع والعقل، كما تقدم، بل هو مناف للحس الذي يشهد بوقوع الأفعال على حد الاختيار، وإن لم تخرج عن دائرة إرادة الرب، جل وعلا، الكونية، فالتزامه مؤد إلى إسقاط التكليف، بالتسوية بين كل المفعولات فكلها على حد الرضا شرعا فرعا عن كونها على حد الإيجاد والخلق بالمشيئة التي لا ينقسم معناها إلى كوني وشرعي، فاتسعت دائرة الرضا التي لا تشمل إلا المراد الشرعي، اتسعت لتشمل المراد الكوني والمراد الشرعي، فسوى قائل تلك المقالة بين صفتي: الرضا والمشيئة، وهذا ما وقع فيه غلاة أهل الجبر الذين عطلوا التكليف، فكل ما شاءه فقد رضيه وإن كان كفرا أو عصيانا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير