تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنها: واجب ومندوب فذلك مطلوب الفعل لكونه محبوبا شرعا، وإن لم يقع جنسه كونا، إذ شاء الرب، جل وعلا، بالمشيئة النافذة: عدم وقوعه، فالمصلحة الآجلة في ذلك، وإن كان مكروها شرعا مطلوب الرفع أو المدافعة بمباشرة الأسباب المشروعة لذلك وإلا لزم ما تقدم من بطلان التكليف، وإبطال سنة المكافحة والمنافحة عن الملة والشرع، وذلك ما روج له المحتل لبلاد المسلمين إذ قعد المسلمون عن مدافعة الغازي المحتل فتركوا الأسباب الشرعية من: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، فذلك أمر شرعي، ترك عند أولئك استنادا إلى الأمر الكوني الذي نزل به البلاء، وإنما يصح الاحتجاج بالقدر في المصائب التي لا يمكن رفعها، كمن عجز عن المدافعة ابتداء فلا سبب في يده يدفع به، فمقام الصبر على الابتلاء به أليق، أو كمن بذل ما بوسعه من الأسباب المشروعة على حد التوكل على مجريها فلم تؤت ثمرة إذ شاء الله، عز وجل، بقدرته وحكمته، عدم وقوع مسبَّباتها، فذلك أيضا: يصح له الاحتجاج بالقدر.

وبينها: واسطة المباح.

ولكل حكم عبوديته، ولكل وقت واجبه، كما تقدم في أكثر من مناسبة، فللرخاء عبودية، وللشدة عبودية، والموفق من عرف واجب وقته فالتزمه، ولم ينظر إلى ما ليس في مقدوره، أو ما لم يكلف به، فالتكليف يتفاوت تبعا لتفاوت المكلفين حالا، فمن مكلف ابتلي بسعة المال ليقيم عبودية الإنفاق، فليس على الفقير ما عليه من التكليف ليشغل نفسه بتحصيله، ولذلك قال أهل الأصول: ما لا يتم الواجب المعلق إلا به فليس بواجب، فلا يكلف الفقير بادخار نصاب الزكاة ليؤديها، ولا يكلف بادخار نفقة الحج ليحج، ومن مبتلى بأسر أو مرض أو ........... إلخ فعليه من عبودية الصبر ما ليس على الحر أو الصحيح، وعليهما ما ليس عليه من عبودية الشكر.

ويقول، رحمه الله، في بيان نعت الفقير:

"وقيل: نعت الفقير ثلاثة أَشياءَ: حفظ سره، وَأَداءُ فرضه وصيانة فقره. قلت: حفظ السر كتمانه صيانة له من الأَغيار، وغيرة عليه أَن ينكشف لمن لا يعرفه ولا يؤمن عليه. وَأَداءُ الفرض قيام بحق العبودية وصيانة الفقر حفظه عن لوث مساكنة الأَغيار، وحفظه عن كل سبب يفسده وكتمانه ما استطاع". اهـ

ص65.

فنص على أداء الفرض، فهو مفتقر إلى الإله الذي يتأله قلبه ولسانه وجوارحه له على حد الخضوع والذل اختيارا، فذلك، كما تقدم، عين استغنائه به عن غيره، فمن أسقط التكليف بحجة بلوغ درجة الاستغناء، فقد صدق، إذ هو من أهل: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، فقد استغنى عن الشرع بما يدعيه من الأحوال!، والاستغناء المحمود هو الاستغناء بالشرع لا الاستغناء عنه، فهو مادة الغنى الحقيقي التي تعمر القلب بالأحوال الإيمانية فبها يبصر حكمة الرب، جل وعلا، الذي أعطى لحكمة، ومنع لحكمة، وأصح لحكمة، وأمرض لحكمة، وبقدر عمران القلب بتلك الأحوال يترقى العبد في معراج الإيمان بالقدر، فتهون مصيبة الدنيا، فكل مصيبة بعد مصيبة الدين وإن عظمت: هينة، وليس لتحصيل تلك الأحوال أسباب مادية على حد الأسباب التي تحصل بها الحاجات الكونية من مأكل ومشرب، ولو كان ذلك، لهان الأمر، فاشتراها من له مال، فلو أوتي من المال ما أوتي، ولم يؤت معه توفيقا وسدادا من الرب، جل وعلا، بهدايته سبيل الحق بيانا وامتثالا، فلا حظ له في ذلك الغنى الباطن وإن كان له من الغنى الظاهر ما يخطف البصر ويشغل القلب الفارغ من التأله للغني فهو بالتأله لتلك الأعراض الزائلة مشغول، وذلك حال من قال: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). وليس المراد الانخلاع من حظ النفس في مراداتها التي طبعت على حبها والميل إليها، بل المراد سياسة تلك الأعراض برسم الوحي الشارع، فيصير الكتاب مهيمنا على أحوال المكلف الباطنة والظاهرة، فيسوس العلم الإلهي باطنه، ويسوس العمل الشرعي ظاهره، وذلك، كما تقدم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير