تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)، فاشتاقت نفسه إلى الكل لما ذاق حلاوة الجزء، فاكتفى بالأنموذج ليوقع الصفقة، فيكفيه ملء الكف أنموذجا، ليتم البيع، على حد قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). فاشترى الأنفس إتلافا في ساحات الوغى، واشترى الأوقات إنفاقا في تحصيل علوم النبوات وتقريرها وذب شبهات المبطلين عنها، واشترى الأموال إنفاقا في للحقوق المشروعة على حد الإيجاب، حقوق: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، ولكن أولئك السادة ليسوا ممن يرضى برتب العامة، فلا تقنع أنفسهم بالزكوات على حد الإيجاب حتى تردف بالصدقات على حد الندب، فليسوا على سنن الابتداع بفرض ما لم يفرضه الله، عز وجل، فعندهم من العلم ما يحجزهم عن الإحداث في الدين الكامل زيادة أو نقصانا، فلا تكون الزيادة منهم على حد الغلو بفرض ما لم يفرضه الله، عز وجل، مما أحدثه الشركاء على حد قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وهو أمر قد وقع فيه كثير من أهل الطريق الذين سلكوا مسالك الزهاد على غير رسم العلماء، فشددوا على أنفسهم وعلى أتباعهم من المريدين، فوقعوا في أنواع من الحرج قد رفعها الله، عز وجل، عن العباد الذين ساروا في طريق الهجرتين برسم الوحيين: الكتاب الهادي والسنة الشارحة.

والشاهد أن ذلك الفصام النكد بين: الأحوال القلبية والمسائل العلمية قد صرف همم كثير من السالكين عن طلب العلم العاصم من مزالق الشيطان الذي رضي من العباد: بالإفراط على حد الغلو والابتداع، أو التفريط على حد التقصير والجفاء.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض إشارة إلى طرف من هذا الفصام النكد بين أرباب الكلام وأرباب الأحوال:

"ومما يعتبر به أن النساك وأهل العبادة والإرادة توسعوا في السمع والبصر وتوسع العلماء وأهل الكلام والنظر في الكلام والنظر بالقلب حتى صار لهؤلاء الكلام المحدث ولهؤلاء السماع المحدث هؤلاء في الحروف وهؤلاء في الصوت وتجد أهل السماع كثيري الإنكار على أهل الكلام كما صنف الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي مصنفا في ذم الكلام وأهله وهما من أئمة أهل السماع ونجد أهل العلم والكلام مبالغين في ذم أهل السماع كما نجده في كلام أبي بكر بن فورك وكلام المتكلمين في ذم السماع وأهله والصوفية ما لا يحصى كثرة، وذلك أن هؤلاء فيهم انحراف يشبه انحراف اليهود أهل العلم والكلام وهؤلاء فيهم انحراف يشبه انحراف النصارى أهل العبادة والإرادة.

وقد قال الله في الطائفتين: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون).

ولهذا تجد تنافرا بين الفقهاء والصوفية وبين العلماء والفقراء من هذا الوجه.

والصواب: أن يحمد من حال كل قوم ما حمده الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة ويذم من حال كل قوم ما ذمه الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة ويجتهد المسلم في تحقيق قوله: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون) ". اهـ

"الاستقامة"، ص170، 171.

وكل انحراف في هذه الأمة في العلم إنما هو: فرع عن انحراف اليهود، وكل انحراف فيها في العمل إنما هو: فرع عن انحراف النصارى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير