تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو من جنس الفصام النكد الذي نعيشه في هذه الأعصار بين: العلم والدين، قياسا على التناقض بين علوم الكنيسة البالية والعلوم التجريبية الحادثة، وهو قياس فاسد، إذ لا يستوي الوحي المعصوم الذي هيمن على كل أجناس العلوم الإلهية والتجريبية، والواقع العملي شاهد على مطابقة سنن الشرع النازل لسنن الكون الجاري، فذلك من إعجاز كلام الباري، عز وجل، لا يستوي هذا الوحي، ووحي الكنيسة الشيطاني الذي صير البشر أربابا تشرع على حد النيابة عن المخلص: المسيح عليه السلام!. على حد قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

فعلم النبوات ليس كعلم فلاسفة اليونان، فهو علم شريف: يصحح قياس العقل ويزكي ذوق ووجدان النفس، فلا تحب إلا ما أحبه الشارع، عز وجل، فهي لأحكامه منقادة، وعلى مراضيه منهالة، فليس لها حظ نفس يستحسن ما لم يستحسنه الشرع من الذوقيات، أو يعتبر ما ألغاه الوحي من العلميات والعمليات والسياسات، فظاهره وباطنه، وعلمه وعمله، وذوقه وسلوكه، وحكمه، على وفق مراد محبوبه الشرعي: فعلى ثغور الأمر والنهي قد جمر قلبه ولسانه وجوارحه فلا يزال على رباطه حتى يرجع إلى أهله في دار الرضوان فيلبي نداء الرجوع إلى منازله الأولى، نداء: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي)، نداء قد صاغه روحاني الإسلام ابن القيم، رحمه الله، في كلمات بديعة يطير بها القلب شوقا إلى لقاء بارئه فعنده السكنى برسم: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)، فمن ضمن تلك الكلمات:

فحي على جنات عدن فإِنها ******* منازلك الأُولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو، فهل ترى ******* نعود إِلى أَوطاننا ونسلم

وحي على روضاتها وخيامها ******* وحي على عيش بها ليس يسأم

ص69.

فحي على دار البقاء ببذل أسباب دار الفناء، حي على دار البقاء بإتلاف ما لا بد من تلفه من الأنفس والقوى والأموال، فإن لم يتلف في موافقة القدر الشرعي على حد الاختيار، تلف بموافقة القدر الكوني على حد الاضطرار، فـ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، و: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا).

ومن دعي إلى طاعة فنكل، ومن دعي إلى إنفاق فبخل، ومن دعي إلى ملء ثغر من ثغور الملة فولى العدو دبره، فقد تعرض إلى سلب نعمة التوفيق إلى نافع العلم وصالح العمل، ومن ذاق حلاوة الطاعة وتحلى بالشجاعة في رد العدو المتربص بالديانة، ثم زهد في تلك المناصب الشريفة فلا يحزن إن ولاه الله، عز وجل، بمقتضى عدله، مناصب لا يرضى بها إلا أصحاب الهمم الخسيسة، فمن شؤم ترك الطاعة: تعسر أسبابها، والتلبس بضدها، فبعد مواسم الطاعات يخلع كثير من المقاتلين لأمة الحرب، ولم يخلعها جيش الأبالسة من الجان والإنس، فكيف إذا صبحه العدو، فنزل بساحته، فساء صباح المنذرين الذين صبحتهم كتائب العدو الزاحفة تحت جنح ظلمة الغفلة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 09 - 2009, 08:56 ص]ـ

قال ابن القيم رحمه الله:

"وقال أبو المظفر القرميسيني: الفقير هو الذي لا يكون له إِلى الله حاجة. قال أَبو القاسم القشيري: وهذا اللفظ فيه أَدنى غموض على من سمعه على وصف الغفلة عن مرمى القوم، وإِنما أَشار قائله إِلى سقوط المطالبات، وانتفاءِ الاختيار، والرضى بما يجريه الحق سبحانه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير