تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استيلاء حظوظ النفس على قلوبهم، فهم بضد ما أظهروه متلبسون، فغايتهم تحصيل الوجاهة عند الأتباع، وليس لهم من الإخلاص الموجب لتمام الافتقار إلى الله، عز وجل، نصيب.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَما حمل أَبِي القاسم لكلامه على إِسقاط المطالبات وانتفاءِ الاختيار والرضى بمجاري الأَقدار فإنما يحسن في بعض الحالات، وهو في القدر الذي يجري عليه، بغير اختياره ولا يكون مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر آخر كما تقدم. وأَما إِذا كان مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر هو أَحب إِلى الله منه - وهو مأْمور به أَمر إِيجاب أَو استحباب - فإِسقاط المطالبات وانتفاءُ الاختيار فيه والسعي: عين العجز، والله تعالى يلوم على العجز". اهـ

ص67.

فمن القدر ما يدافع بالأسباب المشروعة، فيكون الكيس في مدافعته، ومن القدر ما لا يقدر المكلف على دفعه، إذ قد أبرم من الأزل بمقتضى القدرة والحكمة، فمدافعة ذلك: عين العجز، فصاحبه ممن يصدق فيهم قول القائل:

كناطح صخرة يوما ليوهنها ******* فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال ابن خفيف:

الفقر عدم الأملاك، والخروج عن أحكام الصفات، قلت: يريد عدم إضافة شيء إِليه إِضافة ملك، وأَن يخرج عن أَحكام صفات نفسه ويبدلها بأَحكام صفات مالكه وسيده مثاله أَن يخرج عن حكم صفة قدرته واختياره التى توجب له دعوى الملك والتصرف والإِضافات ويبقى بأَحكام صفة القدرة الأَزلية التي توجب له العجز والفقر والفاقة، كما فى دعاءِ الاستخارة". اهـ

ص67.

فإضافة الأملاك إلى العبد إنما تصح على جهة الملك المقيد بحكم مالك الملك، جل وعلا، الذي استخلفه فيما تحت يده من مال أو رعية، فهو عنها مسئول، فليس ملكه، جل وعلا، لها ملكا مقيدا، بل هو على رسم: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، إذ ذلك من أخص أوصاف الربوبية الجامعة للقدرة والحكمة كما تقدم في أكثر من موضع، فالعبد المسدد من خرج من حوله وقوته، وملكه وقدرته، إلى حول وقوة العلي الكبير، وملك وقدرة العظيم القدير، فليس له في نفسه أو في ملكه حظ، بل هو فيه سائر على منهاج الوحي، فما أوجبه امتثله، وما ندب إليه سارع إليه، فذلك مما يحببه إلى مولاه، وما أباحه تناوله على حد الاعتدال ليستعين به على التكليف الشرعي، فهو صيانة للبدن من الأعطاب، فبالمطعوم والمشروب والمنكوح الحلال الطيب تنهض آلة التكليف بمقتضى ما أودع الله، عز وجل، فيها من قوى وأسباب، فلو تركت تلك الأسباب الحافظة جملة ً، كما وقع من غلاة أهل الرياضة، لفسدت الأدمغة، واختلطت الأمزجة، وضعفت آلات الفعل، فكيف لمن ذلك وصفه: القيام بوظيفة الخلافة؟!، وقد علم أن سلامة العقل والحواس من شروط الإمامة؟!، وكلٌ إمام في رعيته.

وما كرهه جل وعلا: تنزه عنه فلا يقارف ما عفا الله، عز وجل، عنه وإن كان يكرهه: رفعا للحرج، فليس ذلك المقام وإن لم يستوجب صاحبه الذم: مقام المقربين، بل غايته أن يكون مقام المقتصدين المخلطين، وأصحاب الهمم الملوكية لا يرضون إلا بمقامات الملوك، فلكلٌ ما يلائمه، وذلك، كما تقدم في مواضع عدة، من التنويع في الهمم والأقدار والمقامات الذي تظهر به آثار الربوبية العامة، فقدرته، عز وجل، قد استوعبت كل الممكنات.

ودعاء الاستخارة مما تردده الألسنة على حد التعبد باللفظ، فليس لكثير منا منه إلا اللفظ القائم باللسان دون الحال القائم بالقلب: حال الانخلاع من علم المخلوق إلى علم الخالق، ومن قدرة المخلوق إلى قدرة الخالق، فصاحبه قد أثبت لربه ما نفاه عن نفسه نفي العموم بتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل على حد طباق السلب في: "تعلم"، و: "لا أَعلم" فذلك: آكد في إظهار الافتقار والعجز في مقابل الغنى والقدرة، فإن فقر العبد وعجزه فرع عن جهله بالمآلات، فليس له من العلم إلا ما علمه الله، عز وجل، من سنن الكون، أو أطلع عليه رسله من سنن الشرع أخبارا أو أحكاما، فليس لبشر علم مطلق بالغيب الآتي ليصح استغناؤه عن تدبير الرب العليم، جل وعلا، له، فإن تدبيره لعباده فرع عن علمه المحيط بالحال والمآل، فليس لعقل، ولو بلغ ما بلغ من الكمال: تدبير كامل يدرك المصلحة على وجه التحقيق، وإنما غايته أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير