تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 09 - 2009, 02:49 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"إن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم وبرؤيته فى الآخرة تقر عيونهم، ولا شيء يعطيهم في الآخرة أحب إِليهم من النظر إِليه، ولا شيء يعطيهم فى الدنيا أَحب إِليهم من الإيمان به ومحبتهم له ومعرفتهم به، وحاجتهم إِليه فى عبادتهم له وتأَلههم له كحاجتهم إِليه بل أَعظم فى خلقه وربوبيته لهم ورزقه لهم، فإِن ذلك هو الغاية المقصودة التى بها سعادتهم وفوزهم، وبها ولأَجلها يصيرون عاملين متحركين، ولا صلاح لهم ولا فلاح ولا نعيم ولا لذة ولا سرور بدون ذلك بحال، فمن أَعرض عن ذكر ربه فإِن له معيشة ضنكاً، ويحشره يوم القيامة أَعمى". اهـ

بتصرف يسير من: ص74.

فحاجة العباد إلى ألوهية القلوب أعظم من حاجتهم إلى ربوبية الأبدان، فغاية انقطاع أسباب بقاء الأبدان: فسادها، وذلك ضرر يزال وحرج يرفع بلا إشكال، ولكن مفسدته لا تعادل مفسدة انقطاع أسباب صلاح القلوب، فإن فساد القلوب فساد للمآل، بخلاف فساد البدن الذي غايته فساد الحال، وهو كائن لا محالة، وإن طال الزمان ن بخلاف الروح التي خلقت لتبقى، بإبقاء الله، عز وجل، لها، فمادة حياة الباقي أشرف بداهة من مادة حياة الفاني، فلا يستوي غذاء القلوب من العلوم والأعمال، وغذاء الأبدان من الزروع والثمار.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولهذا لا يغفر الله لمن يشرك به شيئاً ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءُ، ولهذا كانت: "لا إِله إِلا الله" أفضل الحسنات. وكان توحيد الإِلهية الذي كلمته لا إله إلا الله رأْس الأَمر، فأَما توحيد الربوبية الذى أَقر به كل المخلوقات فلا يكفي وحده، وإِن كان لا بد منه، وهو حجة على من أَنكر توحيد الأُلوهية". اهـ

ص74.

فتوحيد الربوبية مما أجمع العقلاء على الإقرار به، بخلاف توحيد الألوهية الذي أعرض عنه أكثر الناس مع ما وضعه الله، عز وجل، من الآيات الكونية الدالة عليه، وما أنزله من الآيات الشرعية الدالة عليه، فبراهينه: نقلية عقلية فطرية حسية: سواء أكانت نفسانية أم آفاقية.

فتوحيد الألوهية هو الدعوى، وتوحيد الربوبية هو: البرهان، فالعلم بالربوبية مما يتذرع به إلى العمل بالألوهية، فالربوبية مرادة لغيرها يتوصل بأخبارها إلى العمل بأحكام المراد لذاته: توحيد الألوهية.

قال ابن القيم رحمه الله:

"فحق الله على العباد أَن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحقهم عليه إِذا فعلوا ذلك أَن لا يعذبهم، وأَن يكرمهم إِذا قدموا عليه، وهذا كما أَنه غاية محبوب العبد ومطلوبه وبه سروره ولذته ونعيمه فهو أَيضاً محبوب الرب من عبده ومطلوبه الذى يرضى به". اهـ

ص74.

فحقه عليهم: واجب شرعي، وحقهم عليه: محض عطاء رباني، كتبه على نفسه بمقتضى عدله وحكمته، فهو على سنن الثواب على الفعل والعقاب على الترك جارٍ، وتلك سنن ربانية محكمة أقيم عليها الكون ونزل بها الشرع، على حد قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ويفرح بتوبة عبده إذا رجع إليه وإلى عبوديته وطاعته أعظم من فرح من وجد راحلته التى عليها طعامه وشرابه فى أرض مهلكة بعد أن فقدها وأيس منها، وهذا أعظم فرح يكون". اهـ

ص74.

فيفرح بذلك مع تمام استغنائه عن عباده: أعيانا وأفعالا، فليس لأبدانهم مفتقرا على حد المشاركة، وليس لأفعالهم مفتقرا على حد المظاهرة، فليس له من خلقه: شريك أو مظاهر، بل هو الواحد بكمال ذاته القدسية التي لا ند لها، وهو الأحد بكمال صفاته العلية التي لا مثل لها، وإن وقعت الشراكة في ألفاظها ومعانيها الكلية الذهنية المجردة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 09 - 2009, 03:48 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومن عبد غيره وأَحبه - وإِن حصل له نوع من اللَّذة والمودَّة والسكون إِليه والفرح والسرور بوجوده - ففساده به ومضرته وعطبه أَعظم من فساد أكل الطعام المسموم اللذيذ الشهي الذي هو عذب فى مبدئه عذاب فى نهايته كما قال القائل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير