تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن كان مراده وحبه الله، وحياته فى معرفته ومحبته فى التوجه إليه وذكره، وطمأنينته به وسكونه إليه وحده عرف هذا وأقر به". اهـ

فما خط قلم، ولا خطت قدم، ولا أريق دم، ولا أتلف بدن، إلا فرعا عن محبة تحمل المحب على بذل أسباب رضا المحبوب، ولو أضر ذلك بحاله وماله، وانظر إلى حال العشاق الذين تعلقوا بصور أرضية فانية، كيف ذابت نفوسهم ونحلت أبدانهم وأنفقت أموالهم طلبا لوصالٍ قد تكون عين الهلكة فيه، لا سيما إن كان على غير حد الشرع المنزل، فكيف بمن علق قلبه بالباقي الذي لا يزول، المراد لذاته، فرعا عن كمال أوصافه، الذي يتودد إلى عباده، وهو عنهم غني، بخلاف المحبوب الأرضي الذي يترفع عن محبه وهو إليه فقير، على حد: "يتمنعن وهن الراغبات"، فلا ينفك المحبوب الأرضي عن حاجة إلى ثناء وإعجاب بل وفناء المحب أحيانا في حبه الزائل بزوال صورته التي يطرأ عليها التغير والفساد!، فحقيقته: استنزاف قوى محبه النفسانية فلا يرضى بما جبل عليه من الطغيان إلا بالاستواء على عرش قلبه ولو كان في ذلك فساد حال محبه الذي بذل له من ضروب المحبة ما بذل فلم يقنع بها لعظم افتقاره، وإن أظهر من الترفع والاستغناء ما أظهر، فهمه تحصيل حظه من محبوبه ولو قضى عليه، فهو، عند التحقيق، يريده لنفسه، يريده ليسد فاقة الـ: "أنا" التي تتغذى على ثناء البشر ومدحهم، وإن كان محض زيف، فتلك من الشهوات النفسانية التي تفوق حدتها الشهوات الجسدية فأين ذلك من حب الله، عز وجل، الذي به صلاح القلب، فهو الغني عنك، التي تودد إليك مع عظم إعراضك عنه، فهو، كما يقول ابن القيم رحمه الله في موضع تال: يريدك لنفسك، لا له كالمحبوب الأرضي الفقير، يريدك ليقربك ويسبغ عليك نعمه الشرعية بوحي يتغذى به قلبك، ونعمه الكونية بأسباب يقوم بها جسدك، يريدك له في الأولى عبدا عابدا مختارا منقادا، ليدخلك في رحمته ورضوانه في الدار الآخرة بمقتضى حكمته التي تأبى التسوية بين الأبرار والفجار، فلا يستوي العابد المختار المنقاد للأمر الشرعي مع خضوعه للأمر الكوني، لا يستوي هو والعبد المذلل الخاضع للأمر الكوني المعرض عن الأمر الشرعي.

فكيف وسع ذلك المحب الغافل! أن يفنى في محبة صورة مخلوقة، ولم يسعه أن يفنى في طاعة الخالق، عز وجل، فناء شرعيا ممدوحا على حد التأله القلبي والاستسلام البدني؟!.

والماضي والحاضر شاهد بأن أعظم صور الحرب شراسة: حروب الأديان، فشراستها فرع عن اصطلاء القلب بنار المحبة الصادرة عن عقد الإيمان الذي ينتحله، فهو يحب مألوهه ويتعصب له، ولو كان مألوها أرضيا باطلا، فشراسة الظاهر مئنة من حرارة الإيمان الباطن، ولو كان على غير رسم التوحيد الذي بعث به الأنبياء عليهم السلام.

وقلوب لا تعرف التأله الذي فطرت عليه: قلوب ميتة وإن جرت فيها دماء الحياة الحيوانية، وقلوب لم تستنر بتوحيد المرسلين: قلوب مظلمة قد صارت لكل الهوام مأوى، فتارة تنتحل ألوهية المسيح عليه السلام، وتارة تنتحل ألوهية فلان أو فلان من الأحبار أو الرهبان أو الأئمة أو الأولياء .............. إلخ فلكل مألوه باطل فرعا عن ضلاله عن المألوه بحق، تبارك وتعالى، إله الرسل عليهم السلام، فحالهم مع معبوداتهم: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، وحال معبوداتهم معهم: (تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 09 - 2009, 05:49 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"الأصل الثاني: كمال النعيم فى الدار الآخرة أيضا به سبحانه وتعالى: برؤيته وسماع كلامه وقربه ورضوانه لا كما يزعم من يزعم أنه لا لذة في الآخرة إلا بالمخلوق من المأكول والمشروب والملبس والمنكوح، بل اللذة والنعيم التام في حظهم من الخالق تعالى أعظم وأعظم ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، وفى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم فى صحيحيهما: (أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، فى غير ضراء مضرة، وفتنة مضلة) ". اهـ

ص77.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير