تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم أشار ابن القيم، رحمه الله، إلى ثبوت الأصلين السابقين في القرآن والسنة فقال:

"وهذان الأصلان ثابتان بالكتاب والسنة، وعليهما أهل العلم والإيمان، ويتكلم فيهما مشايخ الطريق العارفون وعليهما أهل السنة والجماعة، وهما من فطرة الله التي فطر الناس عليها، ويحتجون على من ينكرهما بالنصوص والآثار تارة وبالذوق والوجد وبالفطرة تارة وبالقياس والأمثال تارة". اهـ

ص77.

فإن حياة القلوب في دار التكليف بأغذية العلم النافع والعمل الصالح، مما تواتر في نصوص الوحيين: الكتاب والسنة، فالقلب لا يطمئن إلا بذكر خالقه، فهو مادة قراره وسكونه: سكون الخاشع الحي، الذي سكن مع اضطرامه بأجناس العلوم والأعمال، فليس سكونه سكون الخاوي، وإنما سكونه سكون الحاوي لكل خير، فيتحرك لكل إرادة صالحة مع تمام سكونه واطمئنانه بالرب، جل وعلا، فليس سكونه موتا، ولا حركته طيشا، بل حاله:

من لي بمثل سيرك المدلل ******* تمشي رويدا وتجيء في الأول

وذلك من آثار رحمة ربك الذي أفاض على القلوب من بركات اتباع الشرع ما جعل القليل كثيرا، فيربيه الرب، جل وعلا، لعبده كما يربي أحدكم فلوه، حتى يصير مثل جبل أحد، وهو من تمام نعمة الرب، جل وعلا، على البرية أن أرسل فيهم المرسلين وأجرى على ألسنتهم التنزيل فعلم الحق بدليله، فاكتملت للعباد القوى العلمية، وامتن الله، عز وجل، على من شاء من عباده بالقوة العملية، فليس كل من عرف الحق بدليله مسددا، بل المسدد من أيده الله، عز وجل، بالاستطاعة الكونية فصدر العمل منه مصدقا للعلم: تصديق البينة للدعوى.

وكذلك ما يلقاه العبد في دار النعيم من أجناس اللذات المتقدمة الذكر فهو أيضا مما تواتر في نصوص الوحيين، بل هو أحد أجناس الخبر، فخبر التنزيل إما: خبر عن الله، عز وجل، ذاتا وأسماء وصفات، فهو أشرف الأخبار، أو خبر عن دار القرار: نعيما وعذابا، أو خبر عن الأمم السابقة فهو غيب منقض، أو خبر عن الملاحم القادمة فهو غيب آت لما يقع في دار الابتلاء.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 09 - 2009, 03:12 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومما يوضح ذلك ويزيده تقريراً أَن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضر ولا عطاء ولا منع بل ربه سبحانه الذي خلقه ورزقه وبصره وهداه وأَسبغ عليه نعمة وتحبب إليه بها مع غناه عنه ومع تبغض العبد إِليه بالمعاصى مع فقره إِليه، فإِذا مسه الله بضر فلا كاشف له إِلا هو، وإِذا أَصابه بنعمه فلا رادَّ لها ولا مانع كما قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} [يونس: 107]، و: {مّا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] ". اهـ

ص77، 78.

فالنفع والضر بيد الله، عز وجل، فذلك من متعلقات كلماته التكوينيات النافذة، فمن شاء إيصال النفع إليه من نعمة فلا راد لفضله، ومن شاء إيصال الضر إليه من نقمة بمقتضى عدله فلا حاجب له، فـ: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ)، فالعموم في الآية محفوظ: فأي ضر شاء الله، عز وجل، إيصاله إلى العبد، فلا كاشف له: فذلك عموم آخر دخله التخصيص بالاستثناء المتصل: (إلا هو)، فهو، وحده، الذي يكشف الضر، على حد قوله تعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، فالاستفهام: إنكاري إبطالي إذ لا يجيب دعاء المضطر فيكشف السوء عنه إلا الله، عز وجل، فلا يكشف الضر مخلوق، فذلك من أخص أوصاف ربوبية الخالق عز وجل. ولذلك استحق تمام التأله بشتى أجناس الطاعات، فذيلت الآية باستفهام إنكاري إبطالي آخر: فلا إله إلا هو، فرعا عن لا رب إلا هو.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير