تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

: من فعل كذا فله كذا وعدا إن كان الفعل ممدوحا أو عليه كذا إن كان الفعل مذموما.

يقول ابن أبي العز، رحمه الله، في معرض بيان درجة الخلة:

"ولذلك لما اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكان إبراهيم قد سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا، فوهب له إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره، فامتحنه به بذبحه، ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده، فلما استسلم لأمر ربه، وعزم على فعله، وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارا لمحبة خليله على محبته، نسخ الله ذلك عنه، وفداه بالذبح العظيم؛ لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح مفسدة، فنسخ في حقه، وصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في أتباعه إلى يوم القيامة". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والقرآن مملوء من ذكر حاجة العبيد إِلى الله دون ما سواه ومن ذكر نعمائه عليهم، ومن ذكر ما وعدهم به في الآخرة من صنوف النعيم واللذات، وليس عند المخلوق شيء من هذا. فهذا الوجه يحقق التوكل على الله والشكر له ومحبته على إِحسانه". اهـ

ص78.

فتلك الحاجة الاضطرارية في كل شأن سواء تعلق بالأديان أو الأبدان مما يستوجب تمام التوكل عليه، إذ لا يقضي حاجات العباد كونا أو شرعا إلا هو، فصلاح الدين بأمره الشرعي، فهو الذي أنزل الكتب بعلوم الوحي النافعة وأعماله الصالحة وأحكامه القاطعة، وسياساته العادلة، وأخلاقه الزاكية، فلم يدع لمحدث في الديانة: علما أو عملا، سياسة أو ذوقا، لم يدع له حجة، إذ قد اكتملت فصول الديانة، بنزول آخر الرسالات بأكمل العلوم والأعمال على حد قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فهي للعالمين كافة، فلا حاجة لهم بعدها إلى رسالة أخرى، ولا أرب لهم بعدها في قول محدث يستحسنه عقل فلان أو فلان من المبتدعة في الإلهيات أو المتشرعة في الحكميات الذين نازعوا رب العالمين وصف ربوبية الحكم، وليس لهم من وصف الحكمة شيء، فحكمه، جل وعلا، قد صدر من حكمة بالغة، وعلم بالحال والمآل، وحكم غيره قد صدر من عقول يطرأ عليها ما يطرأ من عوارض التغير والفساد، فضلا عن قصور علمها فلا ترى إلا المصلحة الحالية، وإن أدركت شيئا من المصالح التالية فعلى جهة التوقع لا التحقق، فضلا عن عجزها عن إدراك ما بعد الموت من أحكام دار البرزخ ودار البقاء. فذلك مما استأثر الرب، جل وعلا، بعلمه. فعلمه وحكمته على حد الكمال، وعلم وحكمة من سواه على حد النقصان، فلزم من له أدنى مسكة من عقل أن يرضى به حكما في كل أمر، فهو الحكم العدل الذي يفتقر الجاهل إلى علمه، ويفتقر العاجز إلى مدده، فلا حول ولا قوة إلا به، لتصح عقود قلوبنا الباطنة بصحيح علوم الرسالة، ولا حول ولا قوة إلا بالله لتصح أعمال جوارجنا الظاهرة بصحيح أعمالها.

وصلاح الدنيا بأمره الكوني إيجادا للأعيان وإمدادا لها بأسباب صلاحها.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهكذا من نزل به بلاءٌ عظيم وفاقة شديدة أَو خوف مقلق فجعل يدعو الله ويتضرع إِليه حتى فتح له من لذيذ مناجاته له باب الإِيمان به والإِنابة إِليه وما هو أَحب إِليه من تلك الحاجة التى قصدها أولا لكنه لم يكن يعرف ذلك أَولا حتى يطلبه ويشتاق إِليه فعرفه إِياه بما أَقامه له من الأَسباب التى أَوصلته إِليه". اهـ

ص78.

فتلك من منح الابتلاء: إذ يستخرج الله، عز وجل، به من منح التأله والمناجاة ما تطيب به القلوب، فتلتذ بذوق: يا حي قيوم، فرجاؤها قد علق بمن له كمال أوصاف الذات فله من الحياة أكمل وصف، ومن له كمال أوصاف الأفعال فله من القيومية أكمل وصف، فيا حي يا قيوم: اكشف السوء، فلا يكشفه سواك، وفرج الكرب فلا يفرجه إلا أنت، فلك وحدك وصف الكشف والتفريج، فهو من صفات أفعالك الحكيمات، ومن صفات جمالك فبها تستنزل الرحمات، على حد التوسل والدعاء، فلك الحمد على قضيت، ولك الشكر على ما أوليت من منح في ثنايا محنك، فاصطفيت من اصطفيت من آحاد المخلصين لينال تلك الرتبة السنية: رتبة الرضا عن رب البرية، والصبر على ابتلاءاته الكونية.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير