تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 10 - 2009, 06:14 م]ـ

وأما الرب جل وعلا فهو كما يقول ابن القيم رحمه الله:

"يريدك لك ولمنفعتك لا لينتفع بك، وذلك منفعة لك محضة لا ضرر فيها، فتدبر هذا حق التدبر وراعه حق المراعاة، فملاحظته تمنعك أَن ترجو المخلوق أَو تطلب منه منفعته لك فإِنه لا يريد ذلك ألبتة بالقصد الأَول، بل إِنما يريد انتفاعه بك عاجلاً أَو آجلاً، فهو يريد نفسه لا يريدك، ويريد نفع نفسه بك لا نفعك بنفسه، فتأَمل ذلك فإن فيه منفعة عظيمة وراحة ويأْساً من المخلوقين، سداً لباب عبوديتهم وفتحاً لباب عبودية الله وحده".

ص80.

فاليأس من المخلوقين: باب واسع لإخلاص العبودية لله، عز وجل، دخل منه من دخل من آحاد المخلصين، وبقدر الياس من غير الله، عز وجل، يكون الطمع فيه، وبقدر الاستغناء عنهم، يكون الاستغناء به، وبقدر تحرر النفس من قيد البرية يكون التحرر بقيد التكاليف الشرعية، فالحر على التحقيق: من ألزم نفسه قيد العبودية، فذلك أشرف قيد، وبه تتحرر النفس من كل أسر، فتتحرر من أسر الشبهات التي تكبل العقول المعزولة عن علوم الوحي النافعة، وتتحرر من أسر الشهوات التي تكبل النفوس المعزولة عن أعمال الوحي الصالحة، فبقدر توثق قيد التكليف من معصم المكلف يكون التحرر من قيد العبودية لسوى الله، عز وجل، تعلقا أو تألها.

وفي مقام الإطناب احتراسا:

"فما أَعظم حظ من عرف هذه المسأَلة ورعاها حق رعايتها. ولا يحملنك هذا على جفوة الناس وترك الإِحسان إِليهم واحتمال أَذاهم، بل أَحسن إِليهم لله لا لرجائهم فكما لا تخافهم فلا ترجوهم، ومما يبين ذلك أَن غالب الخلق يطلبون إِدراك حاجتهم بك وإِن كان ذلك ضرراً عليك، فإِن صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءَها، فهم لا يبالون بمضرتك إِذا أَدركوا منك حاجتهم، بل لو كان فيها هلاك دنياك وآخرتك لم يبالوا بذلك". اهـ

ص80

فلا يعني ذلك حجب النفع عن الإخوان، فذلك من البخل الذي يمقته الله، عز وجل، وإنما الكمال في هذا الشأن: بذل النفع لمن أراده رجاء رضا الخالق، عز وجل، لا رضا المخلوق، فلا يملك نفعا ولا ضرا ليرجى أو يخشى لذاته، وإنما يرجى لذاته على حد الرغبة، ويخشى لذاته على حد الرهبة: الرب القدير الحكيم جل وعلا، فله من صفات الجمال ما يصح تعليق الرجاء بها، وله من صفات الجلال ما يصح تعليق الخشية بها، فلا ترج سواه، ولا تخش سواه، واجعل عملك على رسم قوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)، فيعمل حذرا من باب دفع المفسدة ابتداء، ورجاء من باب جلب المصلحة بعد أمن المفسدة، فيخلي المحل من أوصاف السوء التي تستوجب العقاب المحذور، ويحليه بعد ذلك بأجناس الطاعات التي تستوجب الثواب المأمول، تصديقا للوعد الإلهي، فوجوبه من إيجاب الرب، جل وعلا، له على نفسه، على حد قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، لا لكونه حقا مفروضا للعباد على ربهم عز وجل.

وفي معرض الذم لمن باع حق الرب، جل وعلا، من نفسه، بأطماع غيره منه، فكل يريد نصيبه منك، ولا أحد يرشدك إلى نصيب الرب، جل وعلا منك، فصار همهم إصلاح دنياهم ولو بإفساد آخرتك، في معرض الذم لمن هذا حاله يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهذا إِذا تدبره العاقل علم أَنه عداوة فى صورة صداقة، وأَنه لا أَعدى للعاقل اللبيب من هذه العداوة، فهم يريدون أن يصيروك كالكير ينفخ بطنك ويعصر أَضلاعك فى نفعهم ومصالحهم، بل لو أَبيح لهم أَكلك لجزروك كما يجزرون الشاة، وكم يذبحونك كل وقت بغير سكين لمصالحهم، وكم اتخذوك جسراً ومعبراً لهم إِلى أَوطارهم وأَنت لا تشعر، وكم بعت آخرتك بدنياهم وأَنت لا تعلم، وربما علمت. وكم بعت حظك من الله بحظوظهم منك ورحت صفر اليدين، وكم فَوَّتُوا عليك من مصالح الدارين وقطعوك عنها وحالوا بينك وبينها، وقطعوا طريق سفرك إِلى منازلك الأُولى ودارك التي دعيت إِليها وقالوا: نحن أَحبابك وخدمك، وشيعتك وأَعوانك، والساعون فى مصالحك. وكذبوا والله إِنهم لأَعداءٌ فى صورة أَولياءَ وحرب فى صورة مسالمين، وقطاع طريق فى صورة أَعوان. فواغوثاه ثم واغوثاه بالله الذى يغيث ولا يغاث:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير