تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 10 - 2009, 05:33 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وروى عن عبد العزيز ابن أبى حازم عن أَبيه عن سهل بن سعد قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عَزَّ وجَلَّ: {أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24]، وغلام جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلى والله يا رسول الله، إِن عليها لأَقفالها، ولا يفتحها إِلا الذي أَقفلها. فلما ولَى عمر بن الخطاب طلبه ليستعمله وقال: (لم يقل ذلك إِلا من عقل) ". اهـ

ص84.

فـ: "أم" للإضراب الانتقالي إذ انتقل من المعلول إلى علته فبعد التوبيخ بالاستفهام الإنكاري، جاء التذييل بالعلة إذ على القلوب أقفال بمقتضى كلمات الرب، جل وعلا، الكونية، التي حجب بها الهدى عن تلك القلوب المقفلة بمقتضى عدله وحكمته، ولو شاء لامتن عليها بالاستقامة بمقتضى فضله، ولكنه، جل وعلا، اختص من شاء من عباده بمزيد فضل إذ قد علم أزلا، كما تقدم مرارا، أن ذلك المحل صالح بحكم الجبلة لقبول آثار الرسالة، فلو بذر تلك البذرة الطيبة في أرض خبيثة لكان سفها يتنزه عنه آحاد الحكماء إذ بذل المعروف لغير أهله: مئنة من الغفلة ونقصان العلم والحكمة، وذلك منتف في حق الباري، عز وجل، بداهة، إذ هو نقص مطلق يتنزه عنه البشر فتنزيه رب البشر، جل وعلا، عنه، ثابت من باب أولى، فالقلوب مقفلة حتى يشاء الله، عز وجل، فتحها، فليس سمع البيان والإرشاد بنافع حتى يشفع بسمع التدبر والامتثال، فالأول: وظيفة الرسل عليهم السلام ومن بعدهم من ورثة علومهم على حد البلاغ فذلك متعلق كلمات الرب، جل وعلا، الشرعيات الهاديات: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، والثاني: فعل الرب، جل وعلا، في القلوب هداية وإضلالا فذلك متعلق كلماته الكونيات النافذات: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا).

فلا يهدي إلى الطريق إلا الرسل عليهم السلام، ولا يهدي إلى السير على الطريق والثبات عليه إلا رب القلوب وجبارها تبارك وتعالى.

&&&&&

وقال طاووس: "أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر". اهـ

ص84.

فذلك من العموم الذي لا مخصص له، فكل شيء، طاعة أو معصية، خير أو شر، كيس أو عجز، غنى أو فقر، حياة أو موت، حركة أو سكنة، كل شيء يقع في هذا الكون إنما صدر عن قدر نافذ وقضاء مبرم بمقتضى كلمات الرب، جل وعلا، الكونيات، ولو علمنا ذلك على حد اليقين، وعملت قلوبنا به عمل المؤمنين، ما طعن أحد بلسان مقاله أو حاله في حكمة الرب، جل وعلا، في تنويع مقاديره، إظهارا لأوصاف كماله، واستصلاحا لعباده بما ظاهره الفساد العاجل، وما باطنه لمن صبر واحتسب: الصلاح الآجل في دار التكليف فسرعان ما ينقضي الهم فيتبعه الفرح فتلك سنة كونية جارية لا مبدل لها إذ لا مبدل لكلمات ربك الكونيات النافذة، وكم ابتلي بشر فطال ابتلاؤهم حتى ظنوا الهلكة، فأنقذهم الرب، جل وعلا، من الغرق في بحور الضيق بطوق نجاة السعة، فجاءهم المدد بالتفريج وارتفع عنهم داعي التيئيس، وإذا أراد ربك الابتلاء عدلا، فلا راد لقضاءه، وإذا أراد المعافاة فضلا فلا راد لقضائه، فلا تهمل واجب وقتك من شكر على نعم تترى لا تنقطع حتى في ثنايا الابتلاءات فذلك الأصل المطرد، ولا تهمل واجب وقتك من حمد على ابتلاء تمحص به القلوب وتطهر به النفوس فتظهر البراءة من كل حول وقوة إلا حول وقوة الرب المعبود، جل وعلا، فتخضع وتذل له برسم العبودية الاختيارية، فتلك من أعظم منح الابتلاء، وهو مع ذلك عارض لا يدوم، فطالما أنعم الرب، جل وعلا، وقلما ابتلى إذ هو بضعف قلوبنا وأبداننا أعلم، ومن كان ذلك حاله من الضعف الباطن والظاهر، فلا يكلن الفضل إلى نفسه على حد الاستقلال، ولا يركنن إلى همة سرعان ما تنفسخ عند أول ضائقة إن لم يكتب الله،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير