تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكل ذلك على ما اطرد من كون أصول المقالات الإسلامية الحادثة: أجنبية لا تمت للوحي المنزل بصلة فهي إما فلسفات ومقالات يونانية أو فارسية أو هندية، وإما مقالات نسبت إلى الكتاب الأول، وهي، أيضا، عند التحقيق، مما أدخل في صلب الرسالات السماوية التي طالتها يد التبديل والتحريف، فالمقالة منتحلة من الأمم الأولى التي لم تعرف النبوة، انتحلها فئام من أهل الكتاب الأول الذين غيروا وبدلوا: هوى أو جهلا، إذ لا يقع الابتداع في الدين من راسخ في العلم، كما ذكر ذلك الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام"، فذلك أصل مطرد في حال كل محدث في الدين النازل ما ليس منه، فمقالة نفي القدر وثيقة الصلة بدين النصارى بعد وقوع التبديل والتحريف فيه، حتى وسمها من وسمها من السلف بـ: "قول النصارى"، فهي علامة على دينهم المبدل.

على حد قول أصحاب مسلم بن يسار رحمه الله:

كان مسلم يقعد إلى هذه السارية، فقال: إن معبدا يقول بقول النصارى: يعني معبدا الجهني.

"السنة"، (3/ 528).

وقد كان ظهورها على حد جحد العلم الأول، فلسان مقالهم: لا قدر إنما الأمر أنف!، وأولئك ممن حكم السلف بكفرهم قولا واحدا، كما أثر عن الإمام أحمد، رحمه الله، في حد القدري:

القدري الذي يقول: "إن الله لم يعلم الشيء حتى يكون، هذا كافر".

"السنة"، (3/ 529).

وقد انقرض هذا القول كما أشار إلى ذلك القرطبي، شارح مسلم، رحمه الله.

ثم ظهرت مقالة: إثبات العلم وإنكار الكتابة والمشيئة والخلق، فلم يكتب الله، عز وجل، على العباد أعمالهم، إذ ذلك جبر لهم، بزعم نفاة الكتابة الكونية، الذين وصفوا الله، عز وجل، بالعجز فرار من وصفه بالظلم، وليس ذلك بلازم إذ الكتابة ليست على جهة الفعل أو القهر، وإنما هي على جهة خلق فعل العباد، فالرب، جل وعلا، خالق أعيانهم وأفعالهم، وهم الفاعلون لأفعالهم بإرادة مختارة لا على حد القهر، وإن كانت مخلوقة للرب، جل وعلا، فلا تخرج عن دائرة إرادته الكونية العامة.

وظهر من أنكر عموم خلق الله، عز وجل، الشر، بمقتضى إرادته الكونية النافذة، فالخير منه خلقا، والشر من العبد خلقا، فقولهم شعبة من قول المجوس الثنوية القائلين بالأصلين: النور والظلمة، فللخير خالق، وللشر خالق، بل قد زادوا عليهم فأثبتوا خالقِين للشر بعدد مرتكبيه، وذلك من الفساد بمكان، إذ جهة الخلق عن جهة الفعل منفكة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فالرب، جل وعلا، هو الخالق لعموم الأعيان والأفعال، والعباد هم الفاعلون للخير الذي ينسب إليه شرعا وكونا إذ هو كائن بمقتضى قدره الكوني على حد قدره الشرعي، وللشر الذي ينسب إليه كونا لا شرعا، فهو خالقه بمقتضى قدره الكوني على حد الضد من قدره الشرعي، فلا ينسب إليه تأدبا، فهو خالقه كونا وإن لم يرده شرعا فبه، كما تقدم مرارا، استخرجت من الحكم الربانية والمصالح البشرية ما يفوق مفسده وقوعه في عالم الشهادة.

ولم يكفر السلف أولئك، كما روى الخلال، رحمه الله من طريق: أبي بكر المروذي، قال: سألت أبا عبد الله عن القدري، فلم يكفره إذا أقر بالعلم.

"السنة"، (3/ 532).

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَلَكِنْ لَمَّا اشْتَهَرَ الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ؛ وَدَخَلَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْعِبَادِ صَارَ جُمْهُورُ الْقَدَرِيَّةِ يُقِرُّونَ بِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ عُمُومَ الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فِي إنْكَارِ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُ أُولَئِكَ كَفَّرَهُمْ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَهُمْ مُبْتَدِعُونَ ضَالُّونَ لَكِنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ أُولَئِكَ؛ وَفِي هَؤُلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ كُتِبَ عَنْهُمْ الْعِلْمُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لِجَمَاعَةِ مِنْهُمْ لَكِنْ مَنْ كَانَ دَاعِيَةً إلَيْهِ لَمْ يُخَرِّجُوا لَهُ وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَنْ كَانَ دَاعِيَةً إلَى بِدْعَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير